«ميريل ستريب».. تفاصيل عن الأسطورة الحية للفن السابع

يخفق قلبها لسيناريو بعد 20 صفحة فتقرر أن تقبل الدور، تتوحد مع شخصياتها بصورة نادرة، وبحيث لا يمكن للمشاهد أن يفصل بينها وبين الشخصية التي تلعبها؛ مصدقا أنها عشيقة الملازم الفرنسي، أو المرأة الحديدية مارغريت ثاتشر، أو رئيسة تحرير مجلة الموضة القاسية المتسلطة، أو حتى طاهية التليفزيون الشهيرة جوليا تشايلد.. إنها النجمة الأميركية ميريل ستريب، التي تُعتبر واحدة من أفضل الممثلات على قيد الحياة حاليًا، ما جعلها تستحق لقب «أسطورة التمثيل الحية»، وذلك حسبما ذكرت هايدي عبد اللطيف في كتابها “موسوعة المشاهير” الجزء الأول، والذي صدر عن دار دوِّن للنشر والتوزيع.

ببراعة منقطة النظير.. ساهمت ميريل ستريب في إثراء السينما الأميركية والعالمية، فهي تختار أدوارها بعناية مطلقة وتؤديها بإتقان لافت.. ما ساهم في ترشحها ونيلها لأكبر عدد من الجوائز؛ فقد رُشِحت عشرين مرّة لجائزة الأوسكار الشهيرة وحصلت عليها ثلاث مرات (حتى تاريخ كتابة هذه السطور)، بالإضافة لنحو ثلاثين ترشيحًا لجوائز الكرة الذهبية، نالت من بينها ثماني جوائز، ما جعلها أكثر النجوم ترشحًا في تاريخ هاتين الجائزتين. كما حصدت العديد من الجوائز الأخرى، بينها جائزتي أفضل ممثلة من جوائز البافتا البريطانية، ومثلهما من جوائز ايمي التليفزيونية، يضاف إليها جائزتين من رابطة الممثلين الأميركية، وجائزة مجمل الإنجاز الحياتي من معهد الفيلم الأميركي حيث كانت أصغر ممثلة تنال هذه الجائزة، اضافة إلى ميدالية الفنون الوطنية من الرئيس أوباما وغيرها من الجوائز التى جعلتها بحق سيدة الجوائز السينمائية.

الممثلة الحرباء

اعترض كثيرون على تجسيد ممثلة أميركية لشخصية رئيسة وزراء بريطانيا، لكن حينما ظهرت ميريل ستريب على الشاشة وجدوا صعوبة في تذكر صورة مارغريت تاتشر الحقيقية، إذ تملكهم الشعور بأن ستريب أصبحت «تاتشر» بالفعل. فالممثلة القديرة تتقمص روح الشخصية ولا تتشبه بها فقط أو تقلدها، بحيث يصبح من الصعب على المشاهد تذكر الشخصية الحقيقية عندما تؤديها ستريب مثلما فعلت أيضًا حين أدت دور الطاهية الأميركية الشهيرة «جوليا تشايلد» ذات الصوت المميز.

تُتقن ستريب أداء اللهجات واللغات المختلفة، وتعترف بأنها تصل لهذه النتيجة بفضل مساعدة مدربين متخصصين، لكنها أيضًا تندمج مع الشخصية ضمن استعدادها للدور، موضحة أنها لا يمكن أن تتحدث أو تتصرف في أدائها لكل شخصية من تلك الشخصيات التي تتقمصها بصوتها وطريقتها كميريل ستريب. لذا منحتها الصحافة الأميركية لقب النجمة الحرباء لعبقريتها فى التلون وتغيير شكلها ونمط أدائها والانتقال بين الأدوار الصعبة.

ذكاء نجمة

ساهم ذكاؤها واختيارها لأدوارها بعناية في الإفلات من قاعدة حبس الممثلات في لون محدد، فقد انطلقت من خلال الأداء الدرامي في فيلم «صائد الغزلان» (The Deer Hunter) لكنها اتجهت بسرعة نحو الكوميديا في فيلم «مانهاتن» (Manhattan)، كما برزت أيضًا في الأدوار الرومانسية العاطفية في كل من «عشيقة الملازم الفرنسي»(The French Lieutenant’s Woman) و «جسور مقاطعة ماديسون»(The Bridges of Madison County). تلك السيدة التي عاشت حياة حرة فى الفيلم الاستعراضي «ماما ميا» (!Mamma Mia) ورقصت وغنت حتى أنها رُشحت لجائزة «غرامي» الموسيقية، تُبهرك عندما تتصرف بتعالٍ وتكبر وتتحول لكابوس في صورة رئيس تحرير مجلة للموضة والأناقة في فيلم «الشيطان يرتدي برادا» (The Devil Wears Prada).

تتعاطف معها عندما تُحب الملازم الفرنسي كعشيقة ضعيفة، وتشعر بثقل الإرث الذي تحمله على كتفيها بوصفها كلارا في «بيت الأرواح»(The House of the Spirits). عشرات الشخصيات والأفلام قدمتها ستريب خلال مشوارها الممتد لأكثر من أربعين عامًا؛ منذ ظهرت على شاشة السينما فى العام 1977 ولفتت الأنظار، تلك الممثلة القادمة من المسرح، الدارسة لفن الأوبرا، التي لم تكن تحلم إطلاقًا بأن تُصبح من أساطير السينما الحية.

عاشقة الأوبرا

ساهمت البيئة الأسرية التي نشأت فيها ميريل ستريب كثيرًا فيما وصلت إليه، وتؤكد أن تأثير والديها عليها كان كبيرًا. ولدت ماري لويز (وتدليلها ميريل) ستريب في سوميت بولاية نيوجيرسي في 22 يونيو 1949، والدها «هاري ويليام ستريب» كان يعمل صيدليا، ووالدتها «ماري والف» فنانة تشكيلية موهوبة، وناقدة فنية ساهمت بدور كبير في تشكيل ابنتها وجدانيًا وشجعتها علي دراسة الفن. درست ميريل الدراما فى جامعة «فاسار» وتخرجت منها عام 1971.

في بداياتها لم تبد اهتمامًا كبيرًا بالتمثيل، إذ توجه اهتمامها لفن الأوبرا الذي كانت تعشقه، فتلقت دروسًا مكثفة وتدربت على الغناء المحترف، لكن سرعان ما وجدت نفسها تميل إلى مجال التمثيل الذي تعلمت أصوله في الجامعة، فالتحقت بمدرسة «ييل» للدراما حيث نالت درجة الماجستير في التمثيل. وقد استغلت ستريب تدريبها على الغناء في أفلامها خصوصًا « ماما ميا» (2008) و» فلورنس فوستر جينكنس» (Florence Foster Jenkins) (2016) الذي أدت فيه شخصية حقيقية لمغنية أوبرا في النصف الأول من القرن العشرين كانت أضحوكة زمنها لكنها نالت الشهرة والخلود بعد وفاتها. وقد ظهرت موهبة ستريب الغنائية في هذين الفيلمين.

بطلة المسرح

تردد ستريب دومًا أن الحرية التي تتمتع بها في أدوراها السينمائية تعوضها عن غيابها عن المسرح الذي يُعتبر حبها الأول، فعندما كانت ميريل تتابع دراستها في جامعة «ييل» جسدت أدوارًا كثيرة علي خشبة المسرح، من أبرزها تجسيدها لشخصية شابة مقعدة فى الثامنة عشرة من عمرها، كما شاركت في أعمال مسرحية ضخمة، من بينها «مهرجان شكسبير» في نيويورك؛ الذي تضمن مسرحيات شهيرة مثل ترويض النمرة، و»الصاع بالصاع» إلى جانب «سام واترسون» و»جون كازال» الذي أصبح خطيبها فيما بعد.

كما مثلت ستريب فى المسرحية الموسيقية «نهاية سعيدة» على أحد مسارح برودواي وفازت بجائزة عن أدائها في مسرحية «أليس في القصر». وكالعادة سعت الممثلة المسرحية الشابة للحصول على نجومية أكثر وشهرة أكبر من خلال السينما، وتقدمت إلى اختبارات الأداء للدور النسائي الرئيس لفيلم «كينغ كونج» (King Kong) في عام 1976، ولكنها فوجئت بالمنتج «دينو دي لورانتيس» يقول لابنه بالإيطالية «لماذا أحضرت هذه الفتاة القبيحة؟» كان ذلك الانتقاد صادمًا للممثلة الشابة لكنها كانت الصدمة التي حفزتها علي تحقيق النجاح فى السينما حتي غدت أشهر نجماتها.