«محمدين.. أول فتوة لبولاق».. تاريخ حافل على عرش الفتونة

هو أول فتوة لبولاق، وهو أستاذ الفتونة وصانع الفتوات، وأول ملك على عرش الفتونة، وهو مارد بولاق الداهية الذى سجل مئات الجرائم وأرهب الآلاف دون أن يدان بجريمة واحدة.

اسمه بالكامل أحمد محمدين من بنى عدى قبلى عاش أعوامه الثلاثين الأولى فى مغامرات إجرامية بالصعيد دون أن يقبض عليه حتى أكتمل نضجة الإجرامى وجرت دماؤه بالخطورة والوحشية فقرر النزوح إلى القاهرة فى عام 1916 وذلك بحسب ما جاء في كتاب “تاريخ فتوات مصر ومعاركهم الدامية” للكاتب سيد صديق عبد الفتاح.

المعلم محمدين

حط محمدين رحالة بالعدوية ببولاق ومعه زوجته وأمه وراح يبحث عن عمل يكفل له حياة كريمة ليغطى نشاطه الإجرامي، فاستأجر مخبزا بالعدوية أدار حركته وعرفه الناس فى البداية باسم المعلم محمدين صاحب الفرن ثم ما لبثوا تدريجيا أن لمسوا بأسه وبطشه فأصبح اسم المعلم محمدين له رنين مرعب فى القلوب رنين الفتونة الباطشة الطاغية.

الزعيم الخفى

وتسرب أعوان محمدين من أشقياء الصعيد واحدا أثر الآخر إليه فى بولاق حيث كون منهم سرًا عصابة جعل لها وكيلين هما على حسن وعبدالموجود مرسى، وتظاهر الأول بأنه فاعل يعمل فى البناء وعمد الثانى إلى بيع الفراخ وهكذا كل فرد من أفراد العصابة راح يأخذ حرفة حرفة ظاهرية لإخفاء حرفتهم الحقيقية من سطو على أموال الأثرياء دون أن تتعرض لخطر جدىد من البوليس إذ كانت مجهولة أحكم المعلم محمدين كتمان سرها حتى أنه لما ظهر عليه الثراء العريض ظن السذج أنه مبارك الرزق لورعه وتدينه وحرصه على أداء فروض الصلاة فى مواعيدها.

فما أن جرت السنين حتى أصبح محمدين المعلم الفتوة الذى يخافه الناس ويرهبونه ويتبارون على إرضائه ويتنافسون على التودد إليه مقرين بجبروته خاضعين لطغيانه وعصابته تسلب وتنهب دون أن تترك أثرا ينم عنها فكان نجاحها خفيا رهيبا حتى جاء عام 1919.

قلعة العانسين

فى ذلك الحين توفى إبراهيم بك سرى وكانت له سراى تقع على ناصيتى شارع المبتديان وشارع جنان الزهدى دائرة قسم السيدة زينب وهى سراى أسوارها موغلة فى الارتفاع حتى سماها الأهالى القلعة، ولم يترك ذلك الثرى عند وفاته سوى ابنتيه زكية وفهيمة وهما عانستان عجوزان صغراهما فى الخمسين من عمرها وكان سارى أبيهما الثرى كانت قلعة ضد الزواج فقد سلختا الشباب وتردتا فى الكهولى دون أن تتزوجا وقد ورثتا عن أبيهما 250 فدان من أجود أراضى الفيوم فضلا عن أموال ومجوهرات هائلة

وسارعت البنتان العانسان بتخزين ما تطفح به غرف السراى من منقولات ورياش وفى ثمانى حجرات أحكم إغلاقها بينما تركت بقية غرف السراى خالية.

حياة الذيل

وهجرت الأختان قلب السراى وآثرتا الإقامة فى ذيل الحديقة حيث يوجد مبنى صغير يتكون من غرفتين ودورة مياه وكانت نوافذ هذا المبنى أشبه بنوافذ السجن وتطل على شارع المبتديان ولم يكن يقيم بالسراى مع العانستين المعتكفتين سوى خادم يدعى عبد العزيز والجناينى أحمد نصر يباشر الحديقة فى الصباح ثم يكر عائدا إلى بيته بالجيزة قبيل الغروب.

ابن الدكتور

ولما كانت الأطيان العريضة تحتاج إلى من يديرها فقد عرض الدكتور محمد نشأت وكان من أعز أصدقاء البك المتوفى على الأختين أن يكون ولده حسين وكيلا لهما فى إدارة شئون التركة الكبيرة فلم تعارضا وقامتا بعمل توكيل رسمى فى فبراير سنة 1919 للشاب حسن ابن الدكتور محمد نشأت.

كنز تحت السرير

وكان ابن الدكتور مدمنًا على لعب القمار والمخدرات غارقا لأذنيه فى وحل الخمروالنساء يقضى لياليه فى بؤر بولاق مع من على شاكلته من الفاسدين، فلما جاءت سنة 1921 عليه كوكيل للأختين الثريتين كان قد علم كل شئء من أمور حاتهما وعلم بصفة خاصة أن تحت سرير نومهما يوجد صندوق وبداخل الصندوق كنز يتكون من عشرة آلاف جنيه وذهب ومجموعة قيمة من المجوهرات والمصوغات.

حسن نشأت

وتعرف حسن نشأت فى إحدى السهرات المخمورة على مارد بولاق المعلم محمدين وتعددت المقابلات واستمع معلم بولاق فى اهتمام إلى الشاب وهو يبوح له بسر العانستين التين تنامان على كنز فى صندوق، تنامان وحيدتين على كنز سيستولى عليه بيت المال عاجلا أو آجلا لأنهما لن تخلفا زوجا ولا ولدا فقد بلغتا سن اليأس ولن ترثهما إلا الحكومة.

استكشاف

وكدأب الشقى محمدين من الحرص البالغ والتكتم المطلق جعل يستفسر حسن عن جغرافية السراى من الداخل والخارج وعن موقع مسكن الأختين ومحتوياته وعن موضع سريرهما وبعد أن استوفى منه هذه المعلومات طلب منه ألا يقابله ولا يتصل به على الإطلاق إلا بعد إتمام العملية.

أحمد عرابي فتوة الحسينية: تاريخ طويل من المعارك والجدعنة

ثم أشرف محمدين على مراقبة السراى طوال شهرى رجب وشعبان وكذا النصف الأول من شهر رمضان وأدرك أن السراى لم يطلق عليها اسم القلعة عبثا وأن من المحال إتيانها إلا من بابها العمومى الرابض المغلق طوال اليوم اللهم إلا عند خروج أو دخول الخادم والجناينى.

الشيطان الصغير

وحل يوم وقفة عيد الفطر وعلم محمدين أن الأختين ستخرجان فجر العيد لزيارة ضريح والدهما ومعهما الخادم عبد العزيز ولذلك فسيحضر رجل اسمه الحاج شلبى فى مساء يوم الوقفة ليبيت مع الجناينى فى حراسة السراى تلك الليلة فقط

وفطن محمدين أن فجر العيد هو الفرصة الوحيدة للسطو على الكنز القابع تحت السرير فدفع صبيا ذكيا اسمه سيد محمد أبو زيد فى زى ريفى بطرق باب السراى فى الساعة التاسعة مساء يوم الوقفة وهو يبكى طالبا المبيت لأنه ريفى غريب ضل الطريق فرق له قلب الحاج شلبى وأدخله وأغلق الباب وعيون الغلام ترقب حركات المزالج

الفتوة محمد عبده: أعلن توبته على يد العميد جلال الشاس بعد تجارته في الهيروين

وفى الساعة الثالثة والنصف فجرا حضر الجناينى أحمد نصر وحضرت العربة الحنطور وخرجت الأختان وركبتا الحنطور ومعهما الخادم بعد أن نبهتا على الحاج شلبى والجناينى نصر باليقظة فى حراسة السراى إلى أن تعودا من الجبانة.

هجوم الفجر

وتم إغلاق البوابة واستغرق الحاج شلبى والجناينى فى نوم لذيذ وكان الغلام متظاهرا بالنوم وسرعان ما تسلل فى خفة شيطانية وفتح البوابة ليدخل منها محمدين ورجاله.

وفى سرعة خاطفة انقضوا على الحاج شلبى وكمموه ولفوه فى اللحاف فرقد يرتعد موتا ثم سارعوا إلى حيث ينام الجناينى فوجدوه قائما لصلاة الفجر وكان ممتلئا قوة وتقدم إليه محمدين قائلا:” نحن ضيوفك”، فتمتم بالترحيب ولكن سرعان ما هاجموه من الخلف والأمام وقبض محمدين ورقبته ولم يتركه إلا جثة هامدة.

وهناك في مسكن الأختين كسروا الباب بالبلط ودخلوا غرفة النوم ووجدوا الصندوق تحت السرير بكنزه من عشرة آلاف جنيه ذهب والمجوهرات والمصاغ فحملوه وغادروا والسراى ومعهم الغلام ولم ينسوا إغلاق البوابة وهم ينصرفون.

اقرأ ايضا:

«بين الدبلوماسية والأدب».. ظاهرة الدبلوماسي الشاعر والأديب في روسيا