«بين الدبلوماسية والأدب».. ظاهرة الدبلوماسي الشاعر والأديب في روسيا

هل هناك ثمة شيء مشترك بين الشعر والدبلوماسية؟ فالمعروف أن الدبلوماسي يدافع على الساحة الدولية عن المصالح الراهنة لدولته، أما الشاعر أو الكاتب فيبحث في أعماق روحه وتجربته الشخصية الخاصة عن بعض الأفكار الجامعة والإنسانية المشتركة ويحولها إلى صورة مكتملة متجانسة.

الدبلوماسي والشاعر

إلا أن هناك ما يجمعهما، فكل من الدبلوماسي والشاعر يتعامل مع الناس من خلال انتقائه للكلمة المقنعة والدقيقة والمنطوقة بالشكل والطريقة اللازمة وفي الظروف الزمنية والمكانية المثالية وبعد تفكير عميق. وباختصار هما يختاران الكلمات التي يتحملان المسئولية عنها لعقود وربما لمئات السنين، حسبما ذكر الدكتور محمد نصر الدين الجبالي في كتابه “الأدَبُ الرُّوسي شخصيات وتاريخ وظواهر”، الصادر عن دار دوِّن للنشر والتوزيع.

مفهوم الشعر لدى الدبلوماسي

الدبلوماسي الشاعر هو ظاهرة شائعة في روسيا، ويمكن القول إن روسيا تنفرد بذلك عن غيرها من بلدان العالم في اشتغال كثير من دبلوماسييها بالعمل الأدبي والإبداعي.

يوم الدبلوماسي

في العاشر من فبراير من كل عام تحتفل روسيا بيوم الدبلوماسي. ففي هذا اليوم تحديدًا من عام 1549م كان أول قرار بتعيين سفير روسي وإنشاء أول إدارة تعنى بالسياسة الخارجية في روسيا، وقد تميزت الدبلوماسية الروسية عبر التاريخ بتولي المبدعين من الأدباء والشعراء مناصب رفيعة، هؤلاء الذين استخدموا إبداعاتهم للتعبير عن علاقتهم بالحياة، وحاولوا من خلالها التفكير في ماضي روسيا وحاضرها ومكانتها في العالم واستشراف مستقبلها.

جمعية أدبية

وتنشط في وزارة الخارجية الروسية جمعية أدبية تم تأسيسها من خمسة عشر عامًا تضم في عضويتها ما يزيد عن 65 سفيرًا ودبلوماسيًّا شاعرًا نذكر منهم سيرجي لافروف وأ.بيسميرتنيخ وإ. أوبمينسكي ويفجيني بريماكوف وغيرهم، ويترأس الجمعية الدبلوماسي والشاعر فلاديمير ماسلوف والذي عمل سفيرًا لأكثر من عشرين عامًا في بريطانيا واليابان وبنجلاديش. وهو مؤلف لأكثر من عشرين مجموعة شعرية تم ترجمة بعضها إلى 7 لغات أجنبية. وقد تأسست الجمعية الأدبية تلك بمبادرة من السفير والشاعر يوري عليموف.

المتنفس

وتحمل الجمعية اسم «المتنفس». وتقوم بتنظيم الفعاليات الدورية والاحتفال بالذكرى السنوية لكبار الدبلوماسيين الشعراء الروس من أمثال فونفيزين وجريبويدوف وتيوتشيف. كما تقوم بدعم إصدار المجموعات الشعرية والدواوين والكتب. وتقوم الجمعية بالتعاون مع السفارات الروسية بالخارج بتنظيم الصالونات الأدبية والموائد المستديرة والأمسيات الشعرية للمواطنين الروس المقيمين في هذه البلدان، بالإضافة إلى مساعدة الدبلوماسيين الشعراء من الشباب في نشر إبداعاتهم في الدوريات المختلفة.

أول مجموعة شعرية.

وقد صدرت أول مجموعة شعرية للجمعية في عام 2001م وتلاها سبع مجموعات أخرى تحمل عناوين «المتنفس» و«النفس الثاني» و«من قرن لآخر» و«سمالينكا» و«الدبلوماسية والشعر» وغيرها.

دراسة اللغة

يقوم جوهر وظيفة الدبلوماسي على إرساء العلاقات والصلات مع البلدان الأخرى، وكذا مع الثقافات والحضارات ودراسة حياة الشعوب الأخرى وهو ما يشجع على إطلاق العنان للإبداع الفني. كما يشجع على اتجاه الدبلوماسيين للشعر تحقيق هدف جذب انتباه الشركاء الأجانب إلى منجزات الثقافة الوطنية وإسهاماتها في التطور العالمي وزيادة الاهتمام بدراسة اللغة الروسية.

أشهر الشعراء الدبلوماسيين

من أمثلة الشعراء الدبلوماسيين الروس نذكر دينيس فونفيزين والذي شغل منصب سكرتير وزير الخارجية الروسي وفيودور تيوتشيف وعمل سكرتيرًا للبعثة الروسية في ميونيخ. وقد عمل الكاتب والفيلسوف الروسي قسطنطين ليونتوف بقنصليات روسيا في البلقان، كما أن قسطنطين باتيوشكوف عمل دبلوماسيا في إيطاليا وتولستوي في ألمانيا، والقائمة تطول.

أول رئيس للبرلمان

ومن الدبلوماسيين الشعراء أيضًا نذكر أناتولي لوكيانوف رئيس المجلس الأعلى للاتحاد السوفيتي وأول رئيس للبرلمان السوفيتي ومن قام على إعادة إصلاح الحزب الشيوعي السوفيتي. وكان يكتب الشعر طوال حياته باسم مستعار هو أناتولى أوسينوف.

وزير الخارجية

ونذكر أيضًا ألكسندر بيسميرتنيخ الذي عمل وزيرًا للخارجية في بداية التسعينيات وقبلها عمل سفيرًا للاتحاد السوفيتي في الولايات المتحدة الأمريكية، كما كان وزير الخارجية الأسبق يفجيني بريماكوف أيضًا يكتب الشعر.

أشهر الشعراء

ولعل ألكسندر جريبويدوف من أشهر الشعراء الذين عملوا بالدبلوماسية الروسية. ولد في عام 1795م بمدينة موسكو وهو دبلوماسي وشاعر وكاتب مسرحي وعازف بيانو. ومن أروع أعماله مسرحية «ذو العقل يشقى»، وقد وصفه الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين بأنه واحد من أهم عقول روسيا. فقد أتقن جريبويدوف 3 لغات أجنبية وهو ما زال في السادسة من العمر ضاعفها إلى 6 لغات فيما بعد، وقد عمل الشاعر سفيرًا لروسيا في طهران وتعرض للقتل من قبل متظاهرين إيرانيين هاجموا السفارة وقتلوا من فيها حتى إنه لم يتم التعرف على جثته إلا من خلال جرح قديم في يده. وتوفي الشاعر عن عمر يناهز 34 عامًا فقط.

موسكو التاريخية

ولا يمكننا تصور موسكو التاريخية في القرن التاسع عشر دون المبنى القابع على بوابات بوكروف والذي كان يضم الأرشيف الرئيس في موسكو التابع للخارجية الروسية. وقد عمل في هذا المبنى في أوقات مختلفة كل من ك. باتيوشكوف ود.فينفيتينيف ون. أوجاريوف وأ. تولستوي. وقد عمل في أرشيفات الوزارة أيضًا كل من ن. كارامزين وس. سولوفييف وف. كليوتشيفسكي والتي تعد أعمالهم من كنوز الأدب الروسي.

المعاصرين

ومن المعاصرين نذكر أوليج بوريسوفيتش أوزيروف سفير روسيا في السعودية وهو شاعر معروف في روسيا ولد في عام 1958 م، وهو دبلوماسي روسي عمل بالعديد من الدول العربية منها سوريا وتونس. ومنذ عام 2010م يشغل منصب سفير روسيا بالمملكة العربية السعودية ومندوب روسيا الدائم في منظمة التعاون الإسلامي.

أوليج أوزيروف

ويعتبر أوليج أوزيروف من المستشرقين الروس المعاصرين ويعد نموذجًا للدبلوماسي المستعرب الذي يكن احترامًا كبيرًا للتراث والحضارة والثقافة العربية والإسلامية. ومن أهم مؤلفاته الشعرية مجموعة «عيد تاتيانا» الشعرية التي صدرت في عام 2002م.

سيرجي لافروف

وتضم القائمة أيضًا سيرجي لافروف وزير الخارجية الحالي. وقد نشر الأخير مجموعة من أشعاره مؤخرًا. وضمت ثلاث قصائد بصحيفة «روسكي بيونير». وقد تولى لافروف منصب وزير الخارجية الروسي منذ عام 2004م.

بوشكين

ولعل من المهم أن نذكر أن الشاعر العظيم ألكسندر بوشكين قد عمل بوزارة الخارجية الروسية لفترة بلغت 14 عامًا. ويعود السبب إلى تجاهل هذه الفترة من حياته إلى أن مؤرخي تلك الفترة ومن عمل في كتابة سيرة حياة بوشكين لم يكن يسمح لهم بالتعرف على وثائق وزارة الخارجية الروسية لطابعها السري. وبعد أن تم الاطلاع على أرشيف بوشكين بالخارجية الروسية تبين أنه وقع على قرار تعيينه بها في عام 1817م وبعد انتهاء دراسته مباشرة. ثم هناك وثيقة أخرى بتاريخ 1832م وقع عليها بوشكين بقبول تعيينه مستشارًا بالخارجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى