«انسحاب معظم دول أمريكا الجنوبية».. تفاصيل بطولة كأس العالم 1938

كانت بطولة كأس العالم 1938 مليئة بالمفاجآت فقد أدى اختيار فرنسا لاستضافة بطولة كأس العالم الثالثة لكرة القدم عام 1938 إلى انسحاب معظم دول أمريكا الجنوبية، التي كانت تأمل أن يختار الاتحاد الدولي لكرة القدم إحداها لتنظيم هذه البطولة.

مشاركة 26 دولة

سجلت 36 دولة للمشاركة في التصفيات، لكن في النهاية شاركت 26 منها فقط، وغابت إسبانيا بسبب الحرب الأهلية، وقاطعتها إنجلترا، فيما امتنعت الأرجنتين وأوروغواي لأسباب مختلفة. في المقابل، تأهلت إيطاليا حاملة اللقب وفرنسا المضيفة إلى النهائيات المرة الأولى تلقائيًّا من دون خوض التصفيات.

12 منتخب أوروبي للنهائيات

تأهل 16 منتخبـًا إلى الأدوار النهائية بينها 12 منتخبـًا أوروبيًّا، لكن النمسا انسحبت من القائمة، إذ محاها الأنشلوس من الخارطة. كانت ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر قررت غزو النمسا وضمها إلى أراضيها في الثاني عشر من مارس 1938، أي قبل أقل من ثلاثة أشهر على انطلاق المونديال، في حدث جلل لا يمكن فصله عن فعاليات كأس العالم؛ إذ كانت الأخيرة قد ضمنت مكانًا في نهائيات كأس العالم، على رغم المحاولات المضنية من جانب اللجنة المنظمة لتجميل الواقع. فقد اكتفى المنظمون بالإشارة، في بيان مقتضب، إلى أن المنتخب النمساوي «لم يمثُل» للعب البطولة من دون إبداء الأسباب، وهو ما فتح الباب أمام المنتخب السويدي للتقدم إلى الدور التالي.

هكذا مرة أخرى فرضت «الأذرع الخفية» نفسها على عالم الكرة ومنعتها الحديثَ من قريب أو بعيد عما هو مُعلن ومعروف. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن ألمانيا ضمت إلى صفوفها سبعة من عناصر المنتخب النمساوي، هم جوزيف ستروه وودولف وفيلهيلم هاهنيمان وليوبولد نويمر ويوهان بيسير وفيليبالد شماوس وستيفان سكومال، من دون أن ينبس أحد ببنت شفة. لم تكن النمسا هي المنتخب الوحيد الذي غاب عن هذه النسخة من كأس العالم بقوة السلاح، إنما ضمت القائمة أيضًا إسبانيا، التي كانت الحرب الأهلية المندلعة قبل عامين من انطلاق المونديال بين الجمهوريين والقوميين، تُمزق أوصالها.

البرازيل الممثل الوحيد لأمريكا الجنوبية

كانت البرازيل الممثل الوحيد لأمريكا الجنوبية، وكوبا، التي أصبحت مستقبلًا ضمن اتحاد الكونكاكاف، في حين شاركت آسيا المرة الأولى في النهائيات بممثلتها جزر الهند الشرقية الهولندية «إندونيسيا» التي صعدت إلى النهائيات بعد انسحاب اليابان.

وإلى فرنسا وصل الفريق الإيطالي بقيادة مُدربه فيتوريو بوتزو، وكذلك المُنتَخَب المجري بكرته الجميلة ونجومه المُتألقين.

حفلت هذه البطولة بالمفاجآت، فقد تعادلت كوبا -الضيف الجديد- في الدور الأول مع رومانيا (3/3)، وفازت كوبا في مُباراة الإعادة -بحسب قانون بطولات كأس العالم آنذاك- (1/2).

كما شهدت البطولة موقعة كروية في مدينة ستراسبورغ، عندما فاجأت بولندا -الضيف الجديد- مُنتَخَب البرازيل بأداء قوي وأهداف مُتتالية، ولكنَّ البرازيليين ضحكوا أخيرًا بعد فوزهم بصعوبة على البولنديين 5/6.

كما استطاعت سويسرا التعادل مع ألمانيا (1/1)، ثم فازت في مُباراة الإعادة (2/4)، لتخرج ألمانيا بعد ذلك من البطولة، مما أغضب الزعيم النازي أدولف هتلر كثيرًا.

كان المنتخب الإيطالي بقيادة مدربه فيتوريو بوتزو أكبر المرشحين لإحراز اللقب. وصل المنتخب الإيطالي إلى فرنسا مسلحـًا بلقبه العالمي الذي ناله عام 1934 ومن بعده اللقب الأوليمبي بعد عامين في برلين، وخاضت إيطاليا 18 مباراة من دون أن تتعرض لأي هزيمة. كانت التشكيلة الإيطالية منسجمة وامتاز لاعبوها بالفنيات العالية الخارقة، وكانت تعتمد على الثلاثي السحري جيوفاني فيراري وجوزيبي مياتزا وسيلفيو بيولا.

نظام موسوليني

يبدو أن المنتخب الإيطالي كان عليه مجددًا أن يحمل إلى العالم رسالة مفادها أن نظام موسوليني الفاشي لا يقل خطورة أو جدية عن نظيره الألماني، وليس هناك معترك أفضل من كأس العالم التي تقام في فرنسا تحت أنظار الجميع وفي ظل تصاعد التوتر على الصعيد السياسي. وعلى رغم أن الأحوال لم تكن «مواتية» للمنتخب الإيطالي كما كانت الحال عليه عندما أقيمت البطولة على أرضه ووسط جماهيره، فإن نظام موسوليني وفَّر ما استطاع من دعم لبعثة منتخب بلاده، بما في ذلك طائرة خاصة تقلهم بين مقارّ البطولة.

وعلى رغم تعرض المُنتَخَب الإيطالي «البطل» إلى الإحراج في خلال لقائه مع النرويج -ضيف البطولة الجديد أيضـًا- الذي انتهى بالتعادل (1/1)، فإن الإيطاليين فازوا بعد التمديد (1/2) بهدف بيولا.

وفي أجواء عدائية سواء من جانب الإيطاليين في المنفى أو الجماهير المناهضة للنظام الفاشي، تقدم الآزوري في البطولة إلى أن وصل إلى الدور ربع النهائي، إذ كان على موعد مع ملاقاة صاحب الضيافة المنتخب الفرنسي، في لقاء حمل رسالة سياسية واضحة للعيان لا لبس في تفسيرها. اعتاد المنتخبان اللعب بالقميص الأزرق وتمسك كل منهما بزيه الأساسي ولم يجد الحكم البلجيكي لوي بيرت بدًّا من إجراء قرعة لتحديد أي منتخب سيكون عليه اللعب بالقميص الثاني، ولم يخدم الحظ المنتخب الإيطالي، الذي كان عليه المفاضلة بين الزي الأبيض الذي اعتاد اللجوء إليه في مثل هذه الحالات أو اللون الأسود. وفرصة كهذه لم تكن لتقدر بثمن بالنسبة إلى موسوليني؛ إذ ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن البعثة الإيطالية استشارته هاتفيًّا، ولم يتردد في إعطاء أوامره بارتداء زي أسود بالكامل، وهو اللون المميز لميليشيات فاشية كانت تبث الرعب في النفوس. وكأن القمصان أعطت لاعبي المنتخب الإيطالي دفعة معنوية كبيرة ليقدموا أفضل ما في جَعبتهم، بحسب ما ذكرته الصحف الإيطالية في ذلك الحين، أكدت إيطاليا تألقها بإقصائها البلد المضيف بثنائية لبيولا في الشوط الثاني (3-1).

إيطاليا تتأهل على حساب البرازيل

وتأهلت إيطاليا إلى المباراة النهائية على حساب البرازيل (2-1) بعد أن أخطأ مُدرب البرازيل بيمنتا بإراحة هدافه ليونيداس في هذا اللقاء، ادخارًا لجهوده للمباراة النهائية ظنًّا منه أن المنافسة على اللقب باتت مسألة وقت.

وشهد الملعب البلدي في بوردو مذبحة حقيقية بين تشيكوسلوفاكيا والبرازيل، كُسِرَت في خلالها ساق نييدلي التشيكي «هداف عام 1943» وذراع الحارس بلانيكا، في حين أُصيب الهداف البرازيلي ليونيداس وزميله بيراتشيو.

وطرد الحكم المجري لاعبي البرازيل زيزي وماشادوس واللاعب التشيكي ريها في مُباراة عنيفة انتهت بالتعادل (1/1)، وفي اللقاء المُعاد على الملعب نفسه فازت البرازيل (1/2)، لتتأهل إلى الدور قبل النهائي أول مرة في تاريخها، حسبما ذكر ياسر ثابت في كتابه موسوعة كأس العالم الصدار عن دار دوِّن للنشر والتوزيع.