أسامة مهران يكتب: أوضاع مقلوبة

بمنتهى الاستخفاف رد رئيس مجموعة مصرفية على صغار موظفيه: ليس لدينا أموالاً حتى نزيد رواتبكم، بل ليس لدينا وظائف لكي تجلسوا على مقاعدها الوثيرة، نحن لا نمتلك إلا ما تبقى لدينا من موجودات، فقد بعنا كل شيء تقريبًا، وخسرنا بما في فيه الكفاية، وأصبحنا قاب قوسين أو أدنى من شفا الإفلاس.

قالها الرجل وانصرف، وجلس الموظفون على كراسيهم يضربون أخماسًا في أسداس، بعضهم يسأل: ولماذا لم يخفض هذا المسئول راتبه؟ لماذا يدعي الخسارة وهو وأذنابه الرابحين؟ لماذا يتعامل مع الصغار على أنهم ظلال آدمية، وبقايا بشرية، وأطلال من تحت الأنقاض؟

ظل السؤال حائرًا في عقول وقلوب الموظفين الصغار، حتى جاءهم من “جهينة” الخبر اليقين، لقد تم بيع كل فروع البنك التجاري التابع للمجموعة المصرفية الخاسرة، رغم أنه البنك الوحيد الذي يربح، ورغم أنه الدجاجة التي تبيض ذهبًا مع مطلع كل صباح، ورغم أنه السند الباقي الراسخ من مجموعة مصرفية استثمرت جل أموالها في مغامرات، ومراهنات على أسواق ميتة أو متقلبة في أحسن الأحوال.

دخل البنك العملاق الذي اشترى البنك التجاري التابع للمجموعة المصرفية إياها على الخط، بدأ في انتقاء بعض الموظفين المُقالين عنوة، والفاقدين لوظائفهم من دون أن يكون لهم أي خيار آخر سوى أن يتركوا الجمل بما حمل ويذهبوا للمجهول.

استقر رأي المصرف المشتري على توظيف 30% فقط من الموظفين المُقالين غصبًا من المجموعة المصرفية المفلسة، أما الـ70% المتبقين فقد عرضوا “الجهابذة” عليهم تسوية ظالمة بجميع المقاييس، وذهب من ذهب، ووافق من لم يجد أمامه مفر، وبقى في المجموعة المصرفية نفر قليل يكابدون الأمرين من مدراء لا يكترثون بالخسائر ويحصلون على عشرات بل مئات الآلاف من الدولارات سنويًا كرواتب وحوافز، ولا أدري لماذا الحوافز إذا كان المصرف يخسر، ولماذا الإكراميات والسادة المدراء لا ينتشلون المصرف العتيق من الغرق؟ ولماذا هذه الرواتب الخيالية بينما المساهمين يشقون صدورهم، ويضربون على رؤوسهم من هول الخسائر الفادحة والإفلاسات المتكررة؟

رأس الهرم في المصرف المذكور وغيره يحصل على الملايين ومعه حاشيته، في حين لم يحصل بقية الموظفين على 10% مما يتحصل عليه “الكبار” في المصرف، يقولون: القانون يحميهم، القانون يسندهم، والأعراف المصرفية ترعاهم وتشد من أزرهم، ويقولون: هذا هو وضع المصارف في العالم، الكبير فيها يظل كبيرًا والصغير يبقى صغيرًا، المدير المسئول يخسر ويحصل على العلاوات والحوافز والبدلات والرواتب الخيالية، والمساهمين يفقدون ثرواتهم المستثمرة لدى هذه النوعية من البشر ولا يوجد من يحاسبهم، وعلى أي قاعدة يحصلون على هذه الأموال الباهضة في حين أن مؤسساتهم خاسرة، وأنهم لم يستطيعوا إلقاء طوق النجاة لها حتى يتم انتشالها من الوضع الحياتي الصعب.

على أي أساس يتقاضى هؤلاء الأموال الضخمة؟ هل هذا هو الفشل الجميل، الذي يمتع أصحابه بالثروة حتى لو لم يقم بالواجب الملقى على عاتقه؟ هل هي القاعدة المصرفية المكينة التي ترضخ لها المصارفة المركزية من حيث أنه لا بديل لهؤلاء سوى الضياع الكامل لمؤسسات كان يُشار إليها بالبنان وفي غمضة عين وانتباهتها ذهبت مع الريح؟

الأسئلة كثيرة والسكوت على مثل هذه الأوضاع المقلوبة شر وشراكة مع الفساد، ودعمًا للتجاوزات، ومساندة للأهرامات المقلوبة التي ما أكثرها في عالم اليوم.