أحمد عرابي فتوة الحسينية: تاريخ طويل من المعارك والجدعنة

بين حى “الحسينية” وحى “القبيسى” عداوة قديمة ترجع إلى عشرات السنين وكانوا فتوات “الحيين” يروون فى مجالسهم تواريخ وقصص المعارك القديمة وبطولة آبائهم وأعمامهم، وأشهر تلك المعارك معركة دارت سنة 1909 ولم يستتب الصح بعدها بين أهالى “الحيين”.

فقد مات أحد الفتوات حى القبيسى الذى كانت له جولات رهيبة فى المعارك فاحتشد فتوات الحى لتشييع جثته واحتفلوا بجنازته احتفالا مهيبا ولكن فتوات حى الحسينية لم يرضهم أن ينعم بجنازة هادئة وأقسم زعيمهم: بأن الميت لن يدفن وحده بل لابد أن يرافقه إلى الدار الآخرة أكبر فريق ممكن من أعوانه!!

فلما وصلت الجنازة إلى منطقة باب النصر هاجمتها فتوات حى القبيسى ودار القتال بين الفريقين وسالت الدماء وتناثرت الأشلاء وتقهقر فتوات حى القبيسى والنعش بينهم واتسع نطاق المعركة حتى شمل حى السكاكسنى وحى الظاهر، وأراد فتوات حى القبيسى أن يثأروا لأنفسهم بعد ذلك فحشدوا جموعهم بعد أيام معدودة وتسلحوا بالعصى والنبابيت وهاجموا رءوس الفتوات والصبوات وكثر الجرحى والقتلى وكانت معركة خالدة فى تاريخ فى الفتوات.

الزعيمان المتنافسان: عرابى والأسيوطى

 

ومرت سنوات والقلوب تجيش بالحقد القديم إلى أن ظهر فى حى الحسينية قادر يدعى أحمد عرابى اشتهر بقوته البدنية واستهتاره وجرأته وقوى نفوذه وامتد سلطانه فخضع له فتوات الحى وتفاقم شره حتى راح يفرض الضرائب على المحلات التجاريه والمقاهى ولم يجد بين الفتوات من يجسر على مناوأته.

أما قهوته بالحسينية فكانت محكمة يتاضى المتخاصمون فيها فيحكم بينهم بما يراه وقاضاؤه نافذًا حتمًا وعلى المتقاضين أن يأخذوا به رغم أى حكم صدر من المحاكم الأهلية وإلا فإنهم يلقون جزاءهم منه ومن أتباعه الذسن سخاهم جميع الفتوات، وقد حدث أ ن متخاصمين رفعا قضيتهما إلى المحكمة الأهلية وقبل حلول موعد الجلسة تحاكما إلى الزعيم أحمد عرابى فى المقهى فنظر فى الأمر وقضى بينهما بما انتهى به النزاع.

ولما حل موعد الجلسة حضى كل من المتخاصمين فيها وحينما سألا عن قضيتهما أنكرا النزاع الذى كان بينهما وبذلك حفظت القضية، وقد ورث أحمد عرابى فتونته من خاله إبراهيم عطية الذى كان قوى البأس يخشاه كل فتوة وكان إلى عهد قريب ابن حتته الذى لا ينازعه منازع فى سطوته وقوته وقد كان ابن أخته أحمد عرابى من أتباعه إلا أنه رجع إلى الله وتاب عن الفتونة وغيرها من المعاصى وتفرغ إلى الله سبحانه وعبادته وطاعته وأصبح ناقما على الفتونة والفتوات وما يأتونه من مشاجرات.

أما عرابى فإنه ما كاد يجلس على عرش الفتونة حتى جمع السلطة فى يده وجعل من نفسه بين الفتوات زعيما وقاضيًا، وهو أيضا مشهور بقوة قلبه وشجاعته النادرة مما جعل له مركزا قويا بين أتباعه، ومما يجدر ذكره أنه على ما عرف من القسوة والجبروت بين الفتوات لا يشرب الخمر وهو فوق كل ذلك مؤدب رحيم بالضعفاء يسارع إلى مساعدة كل من خانه الحظ ونزلت به الشدائد.

ولكن ذلك الزعيم القادر وجد له منافسًا قويًا فى شخص أحمد الأسيوطى وهو رجل قوى شديد ذو قوة بدنية هائلة تشد أزره فئة كبيرة من فتوات حى القبيسى وتخلص له إخلاصا عجيا على رأسها جمعة عمر أقوى فتوات المنطقة وقد اشتهر باسم جحا، وكان لكل زعيم منطقة نفوذه وأنصاره من الفتوات الأقوياء.

معركة وجه البركة

ووقعت أول مصادقة بين الزعيمين المتنافسين ـ عرابى والأسيوطى، فى فبراير سية 1929 حيث كان لأحمد عرابى صيقه فى حى وجه البركة اسمها عيشة الأسكندرانية تسلط عليها بقوته فخضعت له وأخلصت له الحب ولكنها لم تلبث أن نقضت عهده واتصلت بشخص آخر صاحب مقهى اسمه وأنيس، حاول عرابى استرجاعها واستعادة حبها ولكن وانيس فاز عليه وواستولى على قلبها واستأثر بها، فجمع عرابى جموع عزوته وهاجم قهوة وانيس فحطمها تحطيما ولم يتركها إلا خرابا، واحتمى وانيس بالأسيوطى فحماه ورد عنه غارات عرابى بعد ذلك

فأضمر عرابى السوء فى نفسه للأسيوطى وتربص به حتى علم أنه فى مكتب سليم بك زكى فى المحافظة فجمع رجاله وكمن له عند باب المحافظة.

معركة باب الخلق

وكان أحمد الأسيوطى قد أقلع وتاب عن الشجار والفتونة وارتدى زى الأفندية وعاش حياة هادئة، فما كاد الأسيوطى يخرج من باب المحافظة حتى انقض عليه أحمد عرابى ورجاله وأمعنوا فيه ضربا بالعصى والنبابيت، وبأسرع من البرق أدرك الأسيوطى حرج الموقف فهجم على عرابى وقبض عليه ولوى عنقه تحت إبطه وشد عليه ضغطا وهو يتلقى نبابيت الآخرين وعصيهم على جسده ويهددهم بخنق زعيمهم إن لم يكفوا عنه وما لبث لاويا عنقه حتى وصل رجال البوليس

المعركة الفاصلة

وكان يوم العاشر من يوليو سنة 1929 موعد النظر فى قضية مشاجرة أحمد عرابى أمام محكمة الأزبكية فاحتشد فى فناء المحكمة أعوان عرابى وأنصاره، وتأجلت القضية لجلسة أخرى فخرج عرابى على رأس رجاله إلى منطقة بولاق وجلسوا على ضفة النيل يشربون الخمر ويرسمون خطط الهجوم على حى القبيسى والتنكيل بأحمد الأسيوطى، وبعد أن دبروا أمرهم تسلحوا بالعصى والفئوس والزجاجات والمطاوى وزحفوا على حى القبيسى وقابلوا فى طريقهم سيارة نقل كبيرة من سيارات المجزر فأمروا سائقها بأن ينطلق بها إلى حى القبيسى، وكانت الساعة الثانية بعد الظهر إذ ذاك فلما وصلوا إلى الحى كان أحمد الأسيوطى غائبا فنزلوا من السيارة وانطلقوا يضربون السكان ضربا مبرحا ويحشمون المقاهى والمحال.

ولم يكن موجودًا فى الحى من الفتوات سوى شخصين هما جمعة عمر الشهير بجحا وأخوه عيد عمر فتكاثرت عليهما جموع المهاجمين وانهالوا عليهما ضربا ولطما حتى سقط الاثنان مغشيا عليهما، أما جحا فقد هشمت رأسه وذرعه وأما عمر فقد فقعت عينه، ووصل إلى قسم الأزبكية نبأ هذه المعركة الهائلة فأسرع مأمور القسم والملازم محمد أفندى وصفى ومستر هانون نائب المفتش آنذاك على رأس قوة كبيرة من البوليس إلى أرض المعركة

وكان المهاجمون قد فروا وهربوا من الحى بعد أن نكلوا بسكانه فطاردهم البوليس فى شوارع الحى حتى ألقوا القبض على فريق منهم فى حى الظاهر، وبلغ عدد المبوض عليهم تسعة بينهم الزعيم أحمد عرابى أما المصابون فقد حملوا إلى المستشفى وعادت السكينة إلى الحى بعد أن شهد معركة دموية هائلة، عرابى يحتل الحسينية وعلى الحسنى يعلن الأحكام العرفية فى المدبح وشهادة الشيخ حسن البنا لإبراهيم كروم وفتوة بولاق

الزفة البلدى

قامت الزفة البلدى من بيت العروس فى سيدنا الحسين إلى بيت العريس فى السيدة زينب وكانت العربات الحنطور تمشى على مهل فى طابور طويل تتوسطه عربة العروس وقد نشرت عليها الورود على جانبى كل عربة رجلان يحمل كل منهما عصا غليظة وأمام صف العربات فرقة موسيقى حسب الله ثم المعلم فهمى الفيشاوى فتوة الحى الحسينى وكبار المعلمين فى هذه المنطقة ثم الطبل البلدى ثم فرقة النقرزان الأسكندرانى م حاملوا المرايات المزركشة.

على بيه فتوة السيدة زينب

وعند مقهى توت وفى ميدان السيدة زينب وقف المكب لتحية فتوة السيدة زينب وعزف الطبل البلدى والسلام المربع وخرج على بيه فتوة السيدة زينب من المقهى وسلم على زميله فتوة الحى الحسينى ثم دفع النقوط جنيها مصريا للطبل البلدى وصاح الفيشاوى، سلام مربع لعلى بيه، والحسينية وأحمد عرابى، ألف مره، وبولاق وإبراهيم كروم، ألف مرة، والدرب الأحمر وعزيزة الفحلة ألف مرة

ويجامل على بيه زميله قائد الزفة ويمشى بجواره حتى يصل الموكب إلى بيت العريس حيث يتناولون أكواب الشرابات ثم بعد ذلك يضرب المثل بهذه الزفة التى استطاعت أن تقوم من الحى الحسينى وتمر بمختلف الأحياء والشوارع دون أن تراق فيها نقطة دم.