أرسل الله سيدنا لوطا عليه السلام عزيزي القارئ إلى قرية تسمى سدوم، وهي من القرى الواقعة بين الحجاز والشام “داخل حدود دولة الأردن حاليا”.
لقد أتاهم لوطٌ عليه السلام ليدعوهم إلى الله فوجدهم أقذرَ أمةٍ وجِدت على وجه الأرض، ورآهم من أفجر الناس وأكفرهم، وجدهم مع كفرهم قد ابتدعوا فاحشة شنعاء وفعلة نكراء لم يسبقهم إليها أحد من الأمم، ولا عرف بها قبلهم أحد من البشر.
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: «لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَوْمَ لُوطٍ فِي الْقُرْآنِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا”؛ نعم! فهم ذوو نفوس خبيثة، وقلوب قذرة، وفطر منكوسة. فكانوا يأتون الذكران، ويَدَعون ما أحل الله لهم من أزواجهم، {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لتأتون الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوم مسرِفُونَ} وقال: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أنتم قوم عادون}.
فما استجابوا لشيء مما أمرهم به ودعاهم إليه.. وإنما تمادوا في ضلالهم، واستمروا على فجورهم وكفرهم.. وما كان جوابهم إلا أن قالوا أخرجوا ءال لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون.
وقد كانوا قد جمعوا مع هذه الفاحشة القبيحة، قبائح وفواحش أخرى: فكانوا يقطعون السبيل، فيقطعون الطرق على القوافل وعلى المارة فينتهبون أموالهم، ويأخذون الرجال ويكرهونهم إكراها على ارتكاب الفاحشة معهم وكانوا يأتون في ناديهم المنكر وهو مكان تجمعهم يفعلون فيه هذه الأفعال المنكرة والأقوال والأعمال المستقذرة.
وبقي لوط يدعوهم ويخوفهم عذاب الله وسطوته.. {أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرجالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَ}. فكان ردهم أقبح من فعلهم، وقولهم أعظم من عملهم، {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِين}، فجمعوا بين فساد العقيدة، وسوء الأخلاق، وانتكاس الفطرة، وقبيح الأعمال، وتكذيب الرسول، وطلب العذاب.
فاستغاث لوط بربه، ودعاه أن ينصره على القوم المفسدين.. فاستجاب الله دعوته وأنزل عليهم عذابه وبأسه وسطوته.. يقول تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا في بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ولا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.
فما عاقب الله أحدا من الكفار بمثل ما عاقب به هذه الطائفة الملعونة وهذه الأمة الدنسة القذرة، فجمع الله عليهم من أنواع العذاب وطرائق العقوبات ما لم يجمعه لأمة قبلهم.
لقد قلع جبريل عليه السلام قراهم من جذورها، ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم ونباح كلابهم، وثغاء ورغاء حيواناتهم، وصراخ أطفالهم ونسائهم، ثم قلبها بهم في الأرض منكوسة كما انتكست فطرهم، وخسف الله بهم، ثم أعقبهم بحجارة من سجيل من النار، مسومة أي معلمة كل حجر يعرف من صاحبه، فأهلكهم أشد الهلاك، وعذبهم أعظم العذاب في الدنيا ثم إن ما ينتظرهم في الآخرة أشد وأبقى.
وقد حذر الله خلقه بأن من سار على نهجهم، ووقع في مثل فعلهم، وقبح عملهم، فإن عذاب الله له قريب وليس ببعيد وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ”.!
إن هذه الجريمة المنكرة والفاحشة المستقذرة أيها القارئ الكريم – من أقذر ما يعصى به الله وأوجبِه للعنة الله وعقابه، وإذا كان رسول الله قد لعن من تشبه بالنساء في زي أو لبس أو هيئة، فكيف بمن صار يُفعَل به كما يفعل بهن، ويؤتى كما تؤتى النساء. إن هذه النفوس قد انتكست فطرتها وفسدت تصوراتها، ولا يرجى منها خير فلذلك عاقبها الله تعالى وقضى عليها بإبادة جماعية مدوّية لم تحدث في التاريخ روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (صححه أحمد شاكر والألباني). وروى ابن ماجه والبزار عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوهما جميعا». وقد نقل ابن تيمية وابن القيم والماوردي اتفاق الصحابة على قتله، وجمهور الأئمة على ذلك أيضا أنه يقتل، فقال مالك: يقتل حدا، وشدد جدا في هذا. ورأى أبو حنيفة فيمن يفعل ذلك: أن يلقى من أعلى مكان، ويرجم بالحجار كما فعل الله بقوم لوط. وهذا كله مما يدل على شناعة هذه الخصلة، وقبح هذه الخلة، وأنها لا ينبغي أن يتهاون مع أصحابها.
فمن ابتلي بهذا الخبث فليستتر بستر الله، وليسع في علاج نفسه بأدوية الشرع والطب، وكثرة الدعاء لله، والأخذ بالأسباب.
وقد كان الغرب إلى عهد قريب جدا يجرم هذا الفعل القبيح الخبيث، ويعاقب أصحابه ويطاردهم، إلى أن انقلبت فطرهم، وزاد خبثهم، وأغواهم الشيطان فوق غوايتهم، فقبلوا هذا الفحش، ورضوا بهذا المنكر، وجعلوه حقا لمن أراده وضَمَّنوه قوانينهم الوضعية الأرضية التي تخالف جميع الأديان، وجميع الفطر السليمة، والعقول المستقيمة، وصار مما هو مقبول في حضارة القذارة أن يتزوج الرجل الرجل، والمرأة المرأة جهارا نهارا، وبقوة القانون، لا يستطيع أحد أن يمنعهم أو ينكر عليهم. وأعظم من ذلك أنهم جعلوا ذلك المنكر والفحش من الحريات الشخصية، والحقوق الإنسانية التي ينبغي أن تحفظ لمريديها، وتوفر لطالبيها وراغبيها، ودعموا أصحابها، وشجعوهم وروجوا لهم في مباريات الكرة، والأفلام، والمسلسلات ووسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية.. حتى دخلت على الناس بيوتهم، بل فوق ذلك يسعون بكل غطرسة إلى فرضها بالقوة على مجتمعاتنا الشرقية وبيئاتنا المسلمة.. من خلال مؤامراتهم ومؤتمراتهم، ومقررات الأمم المتحدة.. ولا تزال المحاولات مستمرة.. فكريا وإعلاميا واجتماعيا.. بل وطبيا وفي مقررات التعليم.!
ولا تنسى مصر ما أريد تمريره وتبريره في مؤتمر السكان المنعقد في القاهرة عام 1994م، بشأن تقرير وتقنين الشذوذ الجنسي على أنه مسلك طبيعي وميول عادي..!! وكانت دعوة المؤتمر صريحة في السماح بتعاطي الجنس دون قيود: بين الرجال والرجال (اللواط)، وبين النساء والنساء (السحاق) وبين الرجال والنساء بدون زواج (زنا(.!
لقد ثار الأزهر الشريف ضد وثيقة المؤتمر، وأيضا رفضتها الفاتيكان، وتحركت بعض الجهات الرسمية عند المسلمين ضد هذه الوثيقة. كما أن الرأي العام عند المسلمين خصوصا والشرقيين عموما.. هو ضد هذه الوثيقة.
إنهم يسمونه «مؤتمر السكان والتنمية» ولكن الذي يعنيهم في الحقيقة هو السكان وليس التنمية، وإن حاولوا الخداع، وكأني بهم يكررون نفس النداء القديم أخرجوا الأسوياء من كوكبكم إنهم أناس يتطهرون.!
ولله درُّ ابْنِ الْقَيِّمِ حيث قال عن قوم لوط: « لقد عَاقَبَهُمْ الله عُقُوبَةً لَمْ يُعَاقِبْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ بَيْنَ الْإِهْلَاكِ، وَقَلْبِ دِيَارِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَالْخَسْفِ بِهِمْ، وَرَجْمِهِمْ بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ، فَنَكَّلَ بِهِمْ نَكَالًا لَمْ يُنَكِّلْهُ أُمَّةً سِوَاهُمْ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَفْسَدَةِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الَّتِي تَكَادُ الْأَرْضُ تَمِيدُ مِنْ جَوَانِبِهَا إِذَا عُمِلَتْ عَلَيْهَا، وَتَهْرُبُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِذَا شَاهَدُوهَا؛ خَشْيَةَ نُزُولِ الْعَذَابِ عَلَى أَهْلِهَا، فَيُصِيبُهُمْ مَعَهُمْ، وَتَعِجُّ الْأَرْضُ إِلَى رَبِّهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتَكَادُ الْجِبَالُ تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا».
َعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، وَمِنَ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ لَنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَالْمُسْلِمِينَ.