د.أحمد البصيلي يكتب: خطورة المخدرات على المجتمع

الإدمان أيها القارئ الكريم هو اضطراب نفسي، ناتج عن خلل سلوكي، يبدأ غالبا باقتراف أو تناول شيء محرم شرعا ومجَرَّم قانونا، بحيث يؤدي إلى سيطرة سلوك أو مادة معينة علي المخ بشكل تام وإحداث تغيير في وظائفه العامة، ويعجز معه المدمن عن التوقف عن تعاطى تلك المادة أو الامتناع عن ذلك السلوك على الرغم من انعكاسه السلبي على حياته العامة.

والحق أن المخدرات بكل أنواعها يَحرُمُ تعاطيها بأي صورة كانت، سواء كان بطريق الأكل أو الشراب أو التدخين أو الحقن بعد إذابتها، أو بأي طريق كان، لأنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون غذاء أو دواء، كما أن السعي إلى تقنينها جريمة لا تغتفر ولا تسقط بالتقادم؛ لأنه مصادم للواقع والشرع معا، ومُدمِّرٌ للإنسان والبنيان، وهادم للأديان والأوطان.

 

كما أن المخدرات تشكل خطراً واضحاً واعتداء سافراً للمقاصد الشرعية: الدين والنفس والعرض والعقل والمال والوطن، وحفظ هذه المقاصد له مستويان: مستوى الحماية، ومستوى الرعاية، أما مستوى الحماية فتُعنى به الوقاية وإبعاد الأضرار والمؤذيات، وأما مستوى الرعاية فيُعنى به السعي لتحقيق الغاية المرجوة وهي العبادة المطلقة لله تعالى وتزكية النفس وعمارة الأرض.

 

ويكاد يكون العقل أهم مقصد من هذه المقاصد؛ فالدين من غير عقل طقوس وهرطقات، والنفس من غير عقل حركة فوضوية، والنسل بدون عقل نزوٌّ تائه، والمال بدون عقل فساد ودمار، والوطن بغير العقل فكرة هلامية لا رصيد لها في العقول أو القلوب.

ولذلك جعلته الشريعة مناط التكليف الشرعي؛ فمن فقد نعمة العقل رُفع عنه التكليف؛ إذ هو ليس بأهل له، ولا بقادر عليه.

فالمخدرات مُذهِبة للعقل، ومُصادِمة للدين الآمر بمنع كل ضارٍّ بالفرد والمجتمع، وقد اكتشف العلماء ولا يزالون يكتشفون المزيد مما يتعلق بالآفات الجسمية والنفسية للمخدرات، إنْ على الدماغ أو على القلب أو على سائر أعضاء الإنسان.

فأما الضرر على العقل فإضافة إلى تعطيله فإن الأطباء والمختصين أفاضوا في ذكر ما يؤدي إليه الإدمان من أخطار على عقل الإنسان وتركيبته الفسيولوجية، وأما أذيته للنسل فإنه يُضعف القدرة الجنسية ويشوه الأجنة ويفرط بالشرف.

إن المخدرات سمٌّ قاتل أجمع العقلاء والعلماء والأطباء على فتكه بالأجساد وتدميره للأنفس وقتلها قتلاً بطيئاً، فإذا هلكت الأجساد وضعفت، واختلت موازين الحق والخير وتزلزلت؛ فسدت الأسر وهي المحضن الطبيعي للنسل نشأة وترعرعاً وقوة.

إن متعاطي المخدرات يفقد سويته البشرية وكرامته الإنسانية، ويصبح ألعوبة بيد تجار الموت يلهث وراءهم باحثاً عن السراب، بل عن الموت والخراب، فلا يملك تفكيراً سوياً ولا اتزاناً ضرورياً ولا قدرة على حسن الاختيار لكل ما حوله مما يصبو إليه العقلاء، يبيع نفسه ويبذل ماله باحثاً جاهداً قاصداً لقاء حتفه بأشنع صورة وأبشع ميتة.

إن أضرار المخدرات كارثية، سواء على الفرد، أم الأسرة، أم المجتمع.. ودائما يسبب إدمانها – عزيزي القارئ –  آثارا سلبية خطيرة على الحالة النفسية والجسدية للشخص المدمن وتشمل:

  • الإصابة بالأمراض النفسية مثل الفصام، الهلاوس، الاكتئاب، ضعف الذاكرة والتركيز، والبارانويا والشعور بالشك.
  • حدوث تغيرات في السلوك العام والدخول في نوبات هياج وعنف قد تؤدي إلى ارتكاب الجرائم.
  • التعرض إلى السجن أو الوفاة نتيجة التعرض لخطر الجرعة الزائدة أو ارتكاب جرائم السرقة والقتل.
  • الإصابة بالسرطان و الأمراض القلبية، وتلف في وظائف الكبد والكلى.
  • انهيار العلاقات الزوجية و حدوث الطلاق.
  • ارتكاب حوادث القيادة والتعرض لإصابات جسدية خطيرة.
  • خسارة المستقبل المهني والدراسي نتيجة تكرار الغياب عن العمل أو المدرسة.

أما عن أضرار الإدمان على الأسرة؛ فهي أول المتضررين من إدمان أحد الأفراد بداخلها، حيث تتعرض للانهيار التام الذي يشمل:

  • عدم تحمل الشخص المدمن للأعباء المادية وبالتالي تفكك الأسرة وحدوث الطلاق.
  • تشرد الأطفال وخروجهم من التعليم واضطرارهم للعمل.
  •  رغبة الأبناء في تقليد رب الأسرة المدمن وبالتالي وقوعهم في الإدمان.
  • سوء السمعة والتعرض للنبذ الاجتماعي نتيجة وقوع أحد أفراد الأسرة في الإدمان.
  • إصابة الأبناء بالاكتئاب والحزن والتفكير في الانتحار.
  • التعرض للعنف والإيذاء النفسي والجسدي من الشخص المدمن.

وأما عن أضرار الإدمان على المجتمع؛ فإنه ينعكس عليه بشكل كبير، ومن مظاهر ذلك:

  1. فقدان الكوادر البشرية نتيجة خروجهم عن سوق العمل وعدم قدرتهم على  القيام بأدوارهم المهنية.
  2. خسارة عوامل الإنتاج من آلات وسيارات بسبب كثرة الحوادث.
  3. كثرة ارتكاب جرائم القتل والسرقة والاغتصاب ونشر الهلع وعدم الشعور بالأمان بين أفراد المجتمع.
  4. خسارة العديد من الأرواح نتيجة كثرة الحوادث ووجود حالات وفاة.

لِما تقدم – وهو قليل من كثير في تصوير حالة المخدوع الهالك بالمخدرات – كان حكمها التحريم القاطع بلا خلاف؛ وذلك لثبوت آثارها السلبية السيئة، ومضارها القاطعة اليقينية، ومخاطرها المحققة على الأفراد والمجتمعات البشرية، ومن الأدلة التي اعتمدها العلماء في تحريم المخدرات:

أولاً: قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة/90. فالمخدرات تلتقي مع الخمر في علة التحريم، وهي الإسكار بإذهاب العقل وستر فضل الله تعالى على صاحبه به؛ فتُشمَل بحكمه.

ثانياً: قوله تعالى:(يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، ولا يُتصوَّر من عاقل أن يُصنِّف المخدرات إلا مع الخبائث.

ثالثاً: قوله تعالى:(وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، فمن المبادئ الأساسية في الإسلام الابتعاد عن كل ما هو ضار بصحة الإنسان، وإنَّ تعاطي المخدرات يؤدي الى مضار جسمية ونفسية واجتماعية.

رابعاً: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفَتِّر” رواه أبو داود. والمخدرات بأنواعها مفترة بل فاتكة بالعقول والأجساد.

خامساً: قالت عائشة رضي الله عنها: “إن الله لا يحرم الخمر لاسمها، وإنما حرمها لعاقبتها؛ فكل شراب تكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر” أخرجه الدارقطني.

وجاء في المؤتمر الإقليمي السادس للمخدرات المنعقد في الرياض لعام (1974م): “أجمع فقهاء المذاهب الإسلامية على تحريم إنتاج المخدرات وزراعتها وتعاطيها، طبيعية كانت أو مخلَّقة، وعلى تجريم من يُقْدِم على هذا”.

جدير بالذكر أن حالة السيولة الاجتماعية والسياسية التي عاشتها مصر فيما بعد أحداث يناير 2011 ساهمت إلى حد كبير في ازدياد هذه نسب الإدمان.!

لدرجة أن قال وزير التربية والتعليم المصري، عام 2017، إن نتائج المسح القومي لنسب التعاطي والتدخين بين طلاب مدارس الثانوي تعكس دلالات ومؤشرات خطيرة. مما يتطلب مضاعفة الجهد وتفعيل لخطة الانضباط المدرسي.

ولابد من اتجاه قانوني مجتمعي لمنع التدخين داخل المدارس للإداريين والمعلمين، حتى لا يتم تغذية وعي الطلاب بمشاهد التدخين.

وعلى صعيد آخر قَدّمت مصر للمتعافين من إدمان المخدرات شيكات بقيمة 120 ألف جنيه لدعم مشروعاتهم الصغيرة، وتساعدهم على العودة إلى العمل والإنتاج مرة أخرى.

ولابد من مباركة هذه الجهود التي تتبناها مصر في محاصرة ومقاومة الإدمان بكل صوره وخاصة إدمان المخدرات؛ حيث دخل القانون المصري لفصل الموظف المتعاطي للمخدرات حيّز التنفيذ بدءًا من 15 ديسمبر 2021، وبالتزامن مع ذلك أصدرت مصر تقريرًا يُسلِّط الضوء على الجهود المصرية لمكافحة الإدمان.

وتبّنت الدولة المصرية استراتيجية قوميّة متعددة المحاور والأركان لمكافحة الإدمان والمخدرات: تشريعيًّا، وأمنيًّا، واجتماعيًّا، لما له من أضرار بالغة على المجتمع والأسرة وفئة الشباب بصفة خاصّة.

إذن فقضية الإدمان تأتي في مرتبة متقدمة من سجلّ الهموم العربية الإسلامية، بعد قضية التخلف والتنمية، ولا شك أن ظاهرة الإدمان تهددنا أخطر تهديد، بحرماننا من أعز ما نملك، ألا وهو شبابنا، رصيدنا في بناء الحاضر والمستقبل، عصب أمتنا وعدتها وعتادها.. وذلك بعدما انتقلت هذه الظاهرة المقيتة إلى الشباب الجامعي في بلادنا.. مما يمثل عقبة كبرى أمام جهود التنمية، بسبب ما يفرزه الإدمان من أمراض اجتماعية وانحرافات سلوكية، وكذلك ما يحدثه من آثار اقتصادية وصحية وسياسية سيئة، مما ينبّهنا إلى أن مشكلة إدمان المخدرات والتدخين ليست مشكلة أمنية فحسب، بل هي مشكلة اجتماعية واقتصادية، وصحية ونفسية، ودينية وتربوية وثقافية، وعليه  فلابد أن تدخل هذه الظاهرة في نطاق اهتمام معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبالتالي يجب أن يخطط لها مركزياً، وأن يتم علاجها في إطار خطة قومية شاملة  للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ومن مقاصد منهج الإسلام في التعامل مع بني الإنسان أنه يقوي إرادتنا، ويحقق ذاتيتنا، ويعرّفنا قيمة الحياة الروحية الصافية، وأن قيمة الإنسان تكمن في عقله الذي خصه الله به ومنحه إياه، وأن أي اعتداء على العقل يعد انحرافا عن مسيرة الحياة التي أرادها الله.. كما أن الاعتداء على الصحة والبدن جريمة في عرف الدين لا تغتفر، وأمر يبعدنا عن مرضاة الله، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

وتربية النفس تكون بالصبر عن الملذات وعدم الإسراف في الشهوات الحلال فما بالنا بالحرام؟! وهذه قمة الرجولة .. أن تتحكم في ميولاتك وألا تطلق العنان لنفسك هذه هي الرجولة.. لأن الانتصار على النفس أول طريق الفلاح.

استثمر الصيام في تدعيم قرارك؛ فكن أكثر قربًا لله ومراقبة له، وتذكر قوله تعالى : “مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَة”.

استعن بالله  ولا تعجز وادع الله مخلصًا أن يمنحك القوة والتوفيق لتحقيق ذلك، “وإذا استعنت فاستعن بالله”.

ضع أمام عينيك دائمًا مخاطر الإدمان وعواقبه الوخيمة في الدنيا قبل الآخرة، وتذكَّر أن الله سيسألك يوم القيامة أربعة أسئلة إجبارية لا مناص من الإجابة عنها: “لا تزولا قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَه”. والإدمان يتعلق بكل ذلك.. وعليك أن تُعِدّ الإجابة من الآن.!

حاول أن تجد رفيقا لك من المدمنين النادمين (قريب – صديق – زميل)؛ لتتعاهدا معًا على ترك الإدمان، فهذا أدعى للخير، ويزيدك إصرارًا على تركه، والمرء بإخوانه لا بنفسه فقط، “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان”، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: “من دل على خير فله أجر مثل فاعله”.

وفي نفس الوقت عليك الحذر من أصدقاء السوء الذين يحاولون تنحيتك عن الإقلاع عن التدخين، وتذكَّر حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”. وأبلغ زوجك وأهلك ومن تثق بهم بقرارك، فإنهم سيكونون مصدر دعم مهم لك إن شاء الله.

ومن الطبيعي أن يتولد لديك صراع داخلى للعودة إلى ما كنت تدمنه؛ فتذكر قول الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُون”، ولا تنس قول الله تعالى: “وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم”. واعرض نفسك على طبيب مختص والتزم بمشوراته ونصائحه. كما يجب عليك أن تلتزم شيخا مربيا ربانيا يحيطك بعطفه ونصحه. ” كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.

الدكتور أحمد البصيلي عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر..