بـ “سكينة وخرقة زرقاء”.. الجبرتي يواصل سرد تفاصيل محاكمة سليمان الحلبي بتهمة قتل “كليبر” 3-3

يواصل المؤرخ عبد الرحمن الجبروتي، الذي عاصر فيها الحملة الفرنسية، سرد تفاصيل محاكمة سليمان الحلبي، الذي قام بقتل الجنرال جان بابتيست كليبر، أحد جنرالات الحملة الفرنسية، بحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران، الذي سرد تفاصيل المحاكمة وفق ما دونها الجبرتي.. وإلى الجزء الثاني من المحاكمة…

تشكيل المحكمة

المادة الأولي: أن ينشأ ديوان قضاة لأجل أن يشَرِعوا على الذين غدروا ساري عسكر العام كليبر في اليوم الخامس والعشرين من برريال.

المادة الثانية: القضاة المذكورون يكونون تسعة وهم:

ساري عسكر رينيه ساري عسكر فرياند ساري عسكر روبين، الجنرال موراند، رئيس المعمار بريراند الوكيل رجنيه. دفتردار البحر لرو، الدفتر دار سارتلون في وظيفة مبلغ. والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور.

المادة الثالثة: القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر.

المادة الرابعة: القضاة المذكورون مفوضون الأمر في الكشف والتفتيش وحوش كل من يريدوا. حتى أنهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور، أو يكون عندهم خبرة.

المادة الخامسة: القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب اللائق إلى موت القاتل ورفاقه.

المادة السادسة: القضاة المذكورون يجتمعون من نهار تاريخه الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة.

إمضاء ساري عسكر منو وهذه نسخة من الأصل.

إمضاء الجنرال رنة كتخدا مدبر الجيوش.

الجلسة الأولي

في يوم السادس والعشرين من شهر برريال، حكم أمر ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوي، المحرر في نهاية تاريخه، إجتمعوا في بيت ساري عسكر روبين، ودفتر دار البحر لروا، والجنرال مارتينه عوضا عن ساري عسكر فرياند.

حكم أمر ساري عسكر منو، ثم الجنرال موراند، ورئيس العسكر جرجه، ورئيس العمارة برتراند, ورئيس المدافع فاور, والوكيل رجنيه , والدفتر دار سارلتون في رتبة المبلغ, والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور .

لأجل قضاء شريعة قتل ساري عسكر كليبر الذي إنغدر أمس.

في تاريخه اجتمع القضاة المذكورين مع شيخهم ساري عسكر رينيه، وعلى قرار أمر ساري عسكر منو المشروح أعلاه، وحكم المادة الثالثة المحررة فيه إستخصوا كاتم السر لهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد، ولزم وظيفته.

ثم القضاة المذكورون وكلوا ساري عسكر رينيه، والمبلغ الدفتر دار سارلتون في التفتيش والحبس لكل من اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة أعلاه، وهذا لكي يظهروا رفقاء القاتل، ثم  أن السكينة التي وجدت مع القاتل حين إنمسك تبقي عند كاتم السر لأجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ، ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة قبل الظهر، ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر.

إمضاءات:

إمضاء الوكيل رجنيه، إمضاء رئيس المعمار بريراند. إمضاء رئيس العسكر جرجه. إمضاء رئيس المدافع فاور. إمضاء الجنرال موراند. إمضاء الجنرال مارتيه. إمضاء دفتر دار البحر لروا، إمضاء ساري عسكر روبين. إمضاء ساري عسكر رينيه. إمضاء كاتم السر بينه

إقرار الشهور نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي. نحن الواضعون أسماءنا فيه، الدفتر دار سارلتون المسمى من حضرة ساري عسكر العام منو أمير الجيوش في وظيفة مبلغ حكم الأمر الذي خرج من طرفه.

سؤال الشهود

أنه حضر بين يدينا يوسف برين، عسكري خيال من الطبجية الملازمين بيت ساري عسكر العام، وقال لنا هو ورفيقه خيال أيضا يسمي روبرت: ” مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر ساري عسكر العام، وأنهم وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة ساري عسكر، وأنهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة، وأن الحيطان المذكورة كانت ملغمطة بدم في بعض النواحي، وأن سليمان المذكور كان أيضا ملغمطا بدم، وأنهم مسكوه في هذه الحالة، وأنه بعده التزموا يضربوه بالسيف لأجل يمشوه ”

ثم برين المذكور قال: ” أن بعد حوشه سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها، وأنه سلم السكينة في بيت ساري عسكر العام، فقرينا عليه إقراره هذا وسألناه في شئ زائد أم ناقص، فجاوب أن كل هذا الذي فعله وعاينه.

ثم حضر بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال. أحد الطبجية الملازمين , وقال : ” إنه حين كان يفتش  على الذي قتل ساري عسكر دخل في الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة ساري عسكر العام , وهناك شاف برفقة برين المذكور  سليمان الحلبي مستخبي في ركن حيطان مهدودة , وكأن متلغمط دم, وفي رأسه شرموطة زرقاء, و أن في هذه الحالة عرفت أن هذا هو القاتل, وأن الحيطان التي كان فات عليها , كانت أيضا ملغمطة دم ,وأن حين مسكوه ب  أن منه وهم, وأنهم بعد حوشته بساعة شاف برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها , وأنهم سلموها في بيت ساري عسكر العام , والسكينة المذكورة كانت مخيبة تحت الأرض ”

قرأنا عليه إقراره وسألناه  أن كان شئ زائد أو ناقص، فجاوب   أن هذا هو الذي معله وشافه.

مذكرة أقوال المجني عليه الثاني (المصاب):

أنا الدفتر دار سارلتون المبلغ رحت إلى بيت السيتوين بروتاين، لأنه كان راقدا بسبب جروحاته , ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه :

أنا حنا قسطنطين برتاين المهندس, عضو من أعضاء مدرسة العلم بأرض مصر , أنني كنت أتمشى تحت التكعيبة الكبيرة التي في جنينة ساري عسكر , وتطل  على بركة الأزبكية , وكنت برفقة ساري عسكر العام , فنظرت رجلا لابسا عثمانلي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية , فانا كنت بعيد كام خطوة عن ساري عسكر أنادي  على الغفراء, فانتبهت لأجل أشوف السيرة , رأيت أن الرجل المذكور يضرب ساري عسكر بالسكينة ذاتها كام مرة فارتميت  على الأرض , وفي الوقت سمعت ساري عسكر يصرخ ثانيا .

فهميت ورحت قريبا من ساري عسكر , فرأيت الرجل يضربه , فهو ضربني ثانيا كام سكينة التي رمتني , وغيبت صوابي وما عدت انظر شئ , غير أنني أعرف طيب إننا قعدنا مقدرا ست دقائق قبل ما احد يسعفنا , فبعده قريت هذا الإقرار  على الستوين بروتاين ”

سألته: هل فيه زائد او ناقص. فجاوب أن هذا الذي فعله وعاينه، ثم حرر خط يده معنا، إمضاء سارلتون.إمضاء كاتم السر بينه .

والستوين بروتاين بعدما ختم الورقة أعلاه، قال: ” أن مقصوده يضيف علىها أن بعد غدر ساري عسكر بزمان قليل، حين شاف سليمان الحلبي الذي هو متهوم في غدره، وغدر ساري عسكر العام عرفه أنه هو ذاته الذي كان ضرب ساري عسكر، وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه ”

قرينا عليه هذه الإضافة، فجاوب: ” إنها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ”  ثم ختمها معنا .

التحقيق الثاني مع القاتل

ثاني فحص سليمان الحلبي، نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي، نحن الواضعون أسماءنا فيه، الدفتردار سارلتون برتيه. مُبَلِغ.الوكيل بينه في رتبة كاتم السر، القضاة المنقامين إلى شرع كل من هو متهوم في غدر ساري عسكر العام كليبر، أحضرنا سليمان الحلبي لأجل نسأله من أول وجديد عن صورة غدر وقتل ساري عسكر، وهذا صار بواسطة السيتون براشويش، وترجمان ساري عسكر العام كما ذكرنا.

سئل: المذكور عن قصة ساري عسكر، جاوب: إنه حضر من غزة , مع قافلة حاملة صابون ودخان , وأنه كان راكب هجين, وبحيث   أن القافلة كانت خائفة أن تنزل بمصر, توجهت إلى ريف يسمي الغيطة في ناحية الألفية, وهناك استكرى حمارا من واحد فلاح وحضر لمصر, ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار, ثم عن احمد أغا وياسين أغا من أبوات الينكرجية بحلب وكلوه في قتل ساري عسكر العام, بسبب إنه يعرف يروح ويسكن في الجامع الأزهر.

وأنه لا يعطي سره لأحد كليا, بل يوعي لروحه, ويكسب الفرصة في قضاء شغله, لأنها دعوة تحب السر والنباهة, ثم يعمل كل جهده حتى يقتل ساري عسكر, ولكن حين وصل  إلى مصر التزم يسارر الأربعة مشايخ الذين أخبر عنهم , لأنه  لو كان ما قال لهم , فما كانوا يسكنونه في الجامع , وانه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الأمر, وأن المشايخ المذكورين قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم ” إنه ما يقدر  عليه ” وهو ما دعاهم لمساعدته, لأنه  كان يعرفهم بلديين.

وأنه اليوم الذي قصد فيه التوجه فيه لقتل ساري عسكر قابل أحدهم الذي هو محمد الغزي , فعرفه أن مقصوده أن يتوجه  إلى الجيزة ليفعل هذا الغدر, وأن تخمينه أنه مثل المجنون من حين أراد أن يقضي هذا الأمر, لأنه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الأمر , وأن الأوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن الكريم , لأنه عوائد الكتبه اولاد العرب, وضعوا ذلك في الجامع, وأنه ما أخذ دراهم من احد في مصر, لأن الأغوات كانوا أعطوا له كفايته, وأن الأفندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمي مصطفي أفندي , وكان يقرأ  عليه نهار الاثنين والخميس تبع العادة, ولكن ما أخبره بسر خوفا أن ينشهر, وأما من قبل الأربعة مشايخ المذكورين صحيح أنه كان قال لهم كل شئ, لأنهم أولاد بلاده, ثم حقق لهم أنه ناوي أن يغازي في سبيل الله.

سئل: أين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر جرمينال الموافق لشهر الإسلام ذي القعدة؟

جاوب: إنه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير أخذ العريش.

سئل: أين شاف احمد أغا الذي يقول إنه عرض عليه مادة قتل ساري عسكر؟ وفي أي يوم قال له ذلك؟

جاوب : إنه حين انكسر الوزير رجع  إلى العريش وغزة في أواخر شهر شوال, أو في أوائل ذي القعدة الموافق لشهر جرمينال الفرنساوي, وأن احمد اغا المذكور هو من جملة اغوات الوزير , لكن كان في بيت المتسلم, ثم أنه من يوم وصوله توجه سلم  عليه في بيت المتسلم , وشكا له من إبراهيم باشا متسلم حلب, الذي كان يظلم أباه الذي يسمي الحاج محمد أمين بياع سمن وحططوه غرامات زايدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام , ثم وقع في عرضه بشأن ذلك, ثم أنه رجع عند احمد أغا ثاني يوم.

وأن الأغا في وقتها قال له أنه يروح يقتل أمير الجيوش الفرنساوية, ثم في ثالث ورابع يوم كرر  عليه أيضا هذا السؤال, وحالا أرسله  إلى ياسين أغا من القدس إلى الخليل, وهناك قعد كام يوم, وما وصله ولا مكتوب من احمد أغا, وأما أحمد أغا المذكور كان أرسل خداما  إلى غزة, لجل يخبر ياسين أغا بالذي اتفقوا عليه.

سئل: كام يوم قعد في الخليل؟

جاوب: عشرين يوما.

سئل: لأي سبب قعد عشرين يوما في الخليل؟ وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الاثنين الأغوات؟

جاوب: أن السكة كانت ملآنة عرب، وأنه خاف منهم، فالتزم يستنظر القافلة التي سافر برفقتها، وانه كان في غزة في أواخر شهر ذي القعدة، الموافق لغرة فلوريال الفرنساوي.

سئل: إيش عمل في غزة وإيش قال له ياسين اغا؟

جاوب : أن تاني يوم وصوله راح شاف الأغا, والمذكور قال له : ” إنه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا ” انه إسكنه في الجامع الكبير, وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلا ونهارا, وانه يتحدث معه في هذا الأمر ووعده أنه يرفع الغرائم عن أبيه, وانه دائما يجعل نظره  عليه في كل ما يلزمه, ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله, كما شرح اعلاه, وهذا صار سر بينهم, ثم أعطي له أربعين قرش لمصروف السفر, وبعد عشرة أيام سافر في غزة راكب هجين, ووصل هنا بعد ستة أيام كما عرف سابقا, و  أن سفره من غزة كان في أوائل شهر ذي الحجة, الموافق لنصف فلوريال الفرنساوي, فيبقي باين أنه حين غدر ساري عسكر كان له واحد وثلاثون يوما في مدينة مصر .

سئل: هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به ساري عسكر؟

جاوب: نعم اعرفه.

سئل: من أين أحضره؟ وهل أحد من الأغوات أعطاه له أم أحد خلافهم؟

جاوب: أنه ما أحد أعطاه له، وإنما بحيث أنه كان قاصد قتل ساري عسكر توجه إلى سوق غزة، واشتري هذا الشيء من يده.

سئل: هل أن الوزير نادي في تلك النواحي بقتل الفرنساوية؟

جاوب: إنه لا يعلم بل يعرف حين شاف العثماني مقبلين لبر الشام من مصر.

سئل: هل هو فقط الذي توكل في هذه الإرسالية؟

جاوب: أن تخمينه هكذا، لأن هذا الكلام قد حصل ما بينه وبين الأغوات.

سئل: كيف كان يعمل حتى انه عرف الأغوات بالذي فعله؟

جاوب: إنه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم، أو يرسل لهم حالا ساعي.

بعد خلاص الفحص المذكور أنقرأ على المتهوم، وهو حرر خط يده، مع المبلغ، وكاتم السر والترجمان.

حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه،

إمضاء:

سليمان الحلبي بالعربي.

كاتم السر بينه.

مرافعة الادعاء.

في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من إقامة الجمهور الفرنساوي.

عن الوكيل سارلتون. بحضور مجمع القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل ساري عسكر العام كليبر، وأيضا لمحاكمة شركاء القاتل المذكور.

يا أيها القضاة, عن المناحة العامة, والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما الآن, يخبر  أن يعظم الخسران الذي حصل الآن بعسكرنا, لأن ساري عسكرنا في وسط نصراته ومماجده, أرتفع بغته من بيننا بحديد قاتل رذيل, ومن يد مستأجرة من كبراء ذوي الخيانة والغيرة الخبيثة , الآن أنا معين ومأمور استدعاء الانتقام للمقتول, وذلك بموجب الشريعة من القاتل المسفور وشركائه ,كمثل أشنع المخلوقات, ولكن دعوني ولو للحظة خالطا فيض دموع عيني وحسراته بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدى الأسيف, المركم المنيف, فقلبي أحتسب جدا احتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها, فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية إلا ألما بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتكبت, وسمعت الآن قراءة إعلام وفحص المتهمين.

وباقي المكتوبات عما جري منهم , وقط ما ظهر سيئة أظهر من هذه السيئة التي انتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود, وإقرار القاتل وشركائه, والحاصل كل شئ متحد ورامي الضياء المهيب, لمناورة هذا القتل الكريه, إني أنا راوي لكم سرعة الأعمال جاهد نفسي أن ظفرت لمنع غضبي منهم, فلتتعلم بلاد الروم والدنيا بكمالها, وأن الوزير العظم سلطنة العثمانية, ورؤساء جنود عسكرها, رذلوا انفسم حتى أرسلوا قتل معدوم العرض  إلى الجرئ والنجيب كليبر الذي لا استطاعوا بتقهيره.

وكذلك ضموا  إلى عيوب مغلوبيتهم المجرم الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والأرض, تذكروا جملتكم تلك, الدولة العثمانية المحاربين من إسلامبول, ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور, بواسطة الوزير, لتسخير وضبط بر مصر, وطالبين تخليتها بموجب الشروط, والوزير أغرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام الفرنساوية, و على الخصوص هو متعطش انتقامه لقتل سر عسكرهم, وفي لحظة الذين هم أهالي مصر محتفيين بأغويات الوزير, كانوا محرومين من شفقات ومكارم نصيرهم. و سليمان الحلبي شاب مجنون وعمره أربعة وعشرون سنة, وقد كان متدنس بالخطايا, ظهر عند هذا الأغا يوم وصوله القدس , ويترجي صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من أذيات إبراهيم باشا والي حلب, وعلم ألآن أنه مشتغل بجامع بين قراءة القرآن.

وأنه هو الآن بالقدس للزيارة, وأنه قد حج سابقا بالحرمين, وما تردد أحمد اغا في بيان ما نوي, فوعد له حمايته وإنعامه, وفي الحال أرسله إلى ياسين أغا ضابط مقدار من جيوش الوزير بغزة, وبعثه بعد أيام لمعاملته, وأقبضه الدراهم اللازمة له, و سليمان قد امتلأ من خباثته, فمكث واحد وعشرين يوما في الخليل, وكان مستعجل, ووصل غزة في أوائل فلوريال الماضي, وياسين أغا مسكنه بالجامع لاستحكام غيرته, والمجنون يواجه مرارا وتكرارا بالأنهار والليل مدة عشرة أيام مكثه في غزة يعلمه, وبعد ما أعطاه أربعين قرشا, ركبه الهجين الذي وصل مصر بعد ستة أيام, وكان قد سكنها سابقا ثلاث سنين بالجامع الكبير, وتأنس مع الأربعة مشايخ الذين قروا القرآن مثله, وهم مثله مولودين بالشام محمد الغزي, السيد احمد الوالي, عبد الله الغزي, عبد القادر الغزي, ولا عملوا شئ لممانعته, وعن مداومة سكوتهم صاروا مسامحين ومشتركين في قبحه القاتل, وفي يوم الخامس والعشرين من شهرنا الجاري وصل, واختفي في جنينة السر عسكر, لتقبيل يده, فالسر عسكر لا أبي عن قيافة فقره, وفي حال ما السر ترك له إيده , ضربه  سليمان بخنجره ثلاث جروح, وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار, وجاهد لحماية السر عسكر, وهو بذاته وقع مجروح عن يد القاتل المسفور بجروحاته.

وقد أثبتت محاكمات كما يأتي بيانها:

أولا: أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السر عسكر كليبر، فلهذا يكون مدحوض بتحريق يده اليمني، وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه، وجيفته باقية لمأكولات الطير.

ثانيا: عن الثلاثة مشايخ المسمين: محمد الغزي، عبد الله الغزي، احمد الغزي، يكونون متبينين منكم أنهم شركاء لهذا القاتل، فلذلك يكونون مدحوضين بقطع رؤوسهم.

ثالثا: أن الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضا بذلك العذاب.

رابعا: عن إجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر عسكر، وأمام العسكر وناس البلد، لذلك الفعل موجودين.

خامسا: عن مصطفي أفندي تبين غير مثبوت مسامحته، وهو مطلوق إلى ما نوى.

سادسا: أن هذا الإعلام وبيانه وما جري يطبع في خمسة نسخ، ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي، لتلزيقها بمحلات مصر بكمالها بموجب المأمور.

المحكمة

في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي اجتمعوا في بيت ساري عسكر.

رينيه المذكور ساري عسكر روبين، دفتردار البحر لروا، الجنرال مارتيه، الجنرال مورانه، رئيس العسكر جوجه، رئيس المدافع فاور، رئيس المعمار برترنه، الوكيل رجينه، الدفتردار سارلتون في رتبة المبلغ، الوكيل لبهر في رتبة وكيل الجمهور، الوكيل بينه في رتبة كاتم السر، وهذ ما صار حكم ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس.

فحين أجتمع القضاة المذكورين، وساري عسكر رينيه الذي هو شيخهم، أمر بقراءة الأمر المذكور أعلاه، الخارج من يد ساري عسكر منو، وبعده قرأ كامل الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهمومين.

وبعد قراءة ذلك أمر ساري عسكر رينيه بحضور المذكورين قدام القضاة الموجودين، وهو من غير قيد ولا رباط، بحضور وكيلهم، فحين حضروا ساري عسكر رينيه وكامل القضية، سألوهم جملة سؤالات، وهذا بواسطة الخواجا برشويش الترجمان، فهم ما جاوبوا إلا بالذي قالوه حين إنفحصوا، فساري عسكر سألهم أيضا أن كان مرادهم تولوا شئ مناسب لتبرئتهم، فما جاوبوا بشئ، فحالا ساري عسكر المذكور أمر بردهم إلى الحبس مع الغفراء علىهم.

ثم أن ساري عسكر التفت إلى القضاة وسألهم رأيهم في عدم حديث المتهومين، وأمر بخروج كامل الناس من الديوان.

المداولة

قفل المحل عليهم لأجل أن يستشاروا بعضهم من غير أن أحدا يسمعهم، وقال أن سليمان الحلبي ابن الأربعة وعشرين سنة متهم بقتل ساري عسكر العام، وجرح الستوين برتاين المهندس، وهذا صار في جنينة ساري عسكر العام في خمسة وعشرين الشهر الجاري، فهل هو مذنب؟

فالقضاة المذكورين ردوا كل واحد منهم لوحدة، والجميع بقول واحد: سليمان مذنب.

السؤال الثاني: السيد عبد القادر الغزي مقرئ القرآن في الجامع الأزهر، ولادة غزة، وساكن مصر متهوم إنه بلغه بالسر في غدر ساري عسكر العام وما بلغ ذلك، وقصد الهروب، فهل هو مذنب؟

فالقضاة جميعا جاوبوا: تمام إنه مذنب.

ثم وضع السؤال الثالث وقال محمد الغزي ابن الخمسة وعشرين سنة ولادة غزة، وسكن في مصر، وانه حين ذلك الغادر كان نوي الرواح لقضاء فعله بلغه أيضا، وهو ما عرف أحدا بذلك، فهل هو مذنب؟

فالقضاة جاوبوا: تماما أنه مذنب.

السؤال الرابع: عبد الله الغزي ابن الثلاثين سنة ولادة غزة، مقرئ القرآن في الجامع الأزهر، متهوم إنه كان يعرف في غدر ساري عسكر وانه ما أبلغ أحدا بذلك، فهل هو مذنب؟

فالقضاة جاوبوا: تماما إنه مذنب.

السؤال الخامس: احمد الوالي ولادة غزة، مقرئ القرآن في الجامع الأزهر، متهم أن عنده خبر في غدر ساري عسكر، وأنه ما أبلغ أحدا بذلك، فهل هو مذنب؟

فالقضاة جاوبوا إنه مذنب.

السؤال السادس: مصطفي أفندي، ولادة برصه في بر الأناضول، عمره واحد وثمانون سنة، ساكن في مصر، معلم كتاب، ما عنده خبر بغدر ساري عسكر، فهل هو مذنب؟

فالقضاة تماما جاوبوا: إنه غير مذنب، وأمروا بإطلاقه.

فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب إنهم يفتوا بالموت على المذنبين المشروحين أعلاه.

فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق لموت المذنبين أعلاه، ثم بدءوا بقراءة خامس مادة من الأمر الذي أخرجه أمس ساري عسكر منو بسبب ذلك، والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر ساري عسكر العام كليبر.

ثم اتفقوا جميعهم أن يعذبوا المذنبين، ويكون لائق للذنب الذي صدر.

الحكم

أفتوا جميعا   أن سليمان الحلبي تحرق يده اليمني، وبعده يتخوزق ويبقي على الخازوق حين تأكل رمته الطيور. وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك، ويسمي تل العقارب. وبعد دفن ساري عسكر العام كليبر، وقدام كامل العسكر وأهل البلد، الموجودين في المشهد.

ثم أفتوا بموت السيد عبد القادر الغزي مذنب أيضا كما ذكر أعلاه، وكل من تحكم عليه يكون حلال للجمهور الفرنساوي، ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق البيت الذي مخصص بموضع رأسه.

وأيضا أفتوا على محمد الغزي، وعبد الله الغزي، واحمد الوالي، أن تقطع رؤوسهم وتوضع على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار. وهذا يصير في المحل المعين أعلاه. ويكون قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شئ.

هذه الشريعة والفتوى لازم ينطبعوا باللغة العربية والتركية والفرنساوية. من كل لغة قدر خمسمائة نسخة، لكي يرسلوا ويتعلقوا في المحلات اللازمة.

والمبلغ يكون مشهل في هذه الفتوى.

تحريرا في مدينة مصر في اليوم والشهر المحررين أعلاه.

ثم أن القضاة حطوا خط يدهم بأسمائهم برفقة كاتم السر ممضي أصله.

إنقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة الستوين لوماكا الترجمان قبل قصاصهم، فهم جاوبوا   أن ما عندهم شئ يزيدوا ولا ينقصوا على الذي أقروا به في الأول.

وقد انتهت اغرب محاكمة في مصر. وهي حسب ما كتبه عبد الرحمن الجبرتي، وقال في نهايتها.

وهذا آخر ما كتبوه وطبعوه بالحرف الواحد، ولم أغير شيئا مما رقم، إذ لست ممن يحرف الكلم، وما فيه تحريف فهو كما في الأصل، ونحن لم نغير من ألفاظه شيئا والله اعلم.

كانت المحكمة قد حكمت على سليمان بعقوبات تسمح بها تقاليد البلاد في ذلك الوقت، فقد كان الموت على الخازوق شائعا، ولكن تلك العقوبة لم تتفق مع مبادئ الجمهورية الفرنسية المستنيرة.

وفي17 يونيو 1800 أي بعد الواقعة بثلاثة أيام حمل نعش كليبر المصنوع من الرصاص المصفح، و عليه قبعته وسيفه والخنجر الذي قتله، إلى مدفنه باحتفال عسكري ضخم، وكان الجنرال مينو يتصدر ذلك المشهد، ودقت الطبول دقا خافتا ووضعت عليها علامات سوداء بالكريب الأسود، وحمل الجنود بنادقهم منكسة ووضعوا قطعا سوداء على أكتافهم وأكمامهم، وحضر الجنازة وفد من المماليك يمثلون مراد بك، وأعيان القاهرة مسلمين ومسيحيين، وتوقف المشهد، وانزل عند تل العقارب.

كان سليمان ورفاقه ينتظرون إعدامهم عند هذا التل، وانطلقت المدافع تعلن بداية تنفيذ أحكام الإعدام في المتهمين.