“وفدت من المغرب”.. أحداث معركة الأمير برقوق مع قبيلة “الهوارة”
![](https://mobasheer24.com/wp-content/uploads/2022/11/6101-سيف-الدين-برقوق.jpg)
عرف الصعيد حكومات كثيرة مستقلة في أيام الفراعنة، ولما جاء الحكم الإسلامي ظلت مصر موحدة تحت حكومة مركزية، سواء في عهد الخلفاء الراشدين، حيث كانت العاصمة في المدينة المنورة مقر أمير المؤمنين، وعندما آل الحكم إلى الأمويين كانت الحكومة المركزية في دمشق، ولما قام العباسيون بالاستيلاء على الحكم أنتقل مقر الحكومة إلى بغداد .
وبحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران، لما ضعف حكم العباسيين، وهاجم المغول بغداد، بقيت الخلافة في مصر، وظلت القاهرة مقرا للحكومة حتى الآن، لعب الإعراب والبدو دورا مهما في وحدة مصر، فكانوا يتنقلون من مكان إلى مكان، وكانت تحدث بينهم حروب وقتال، وكان الولاة والحكام يقاتلونهم من أجل إجبارهم على الإقامة في مكان واحد، كما كانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها على مناطق النفوذ والفلاحين.
وأضاف الكاتب، ورغم ذلك فلم يحدث أن أي قبيلة عربية استطاعت أن تستقل بحكم منطقة من البلاد التي بسطت عليها نفوذها، كما لم تتمكن أي قبيلة من الاستيلاء على الحكم وتنادي بشيخها حاكما عاما على مصر.
ويذكر لنا التاريخ أنه كانت هناك ثورات شعبية في أيام المماليك، قام بها الأهالي ضد ظلم المماليك وجبروتهم، غير أن تلك الثورات كانت تفشل بسبب خلوها الأيدولوجيات الفكرية، كما لم يشجع الفكر الديني السائد في ذلك الوقت عملية الاستقلال عن الحاكم؟
فقد كان الخطباء في المساجد يدعون باسم الحاكم، ولا يميلون إلى فكرة الخروج عليه، ربما كان ذلك بسبب عدم رغبة رجال الدين في إغضاب الحكام والولاة، غير هذا التوجه الديني لم يمنع قيام ثورات على الظلم وعلى الحكام.
كانت قبائل الهوارة قد وفدت إلى مصر من المغرب، واستقرت في بادئ الأمر في البحيرة، وقام زعيمها بدر بن سلام بثورة كبيرة في عهد الأمير برقوق، وامتنع عن أداء التزاماته وجباية الخراج، وهاجم دمنهور في خمسة لآلاف رجل ونهبوا أسواقها وبيوتها وخربوا قراها، وكان برقوق وقتها منشغلا في محاربة الترك.
ولما انتهى منهم, وجه حملة ضخمة إلى بدر بن سلام وقضى على ثورته, وفر إلى بدر بن سلام إلى برقه, وقام برقوق بنفي الهوارة إلى منطقة جرجا بالصعيد سنة 1380, وكانت وقتها قاحلة وخربة , فقاموا بإصلاحها وزراعتها بقصب السكر فأثروا من وراء ذلك، تمركزت قبيلة هوارة حول مدينة جرجا، التي كانت ولاية كبيرة أيام المماليك، ولهم فروع تمتد من جرجا شمالا إلى المنيا، وبفضل ما تمتع به الهوارة من ثراء، تمكنوا من السيطرة على الصعيد، وتمردوا على الحكومة، كانت ثورات الهوارة في العصر المملوكي بقصد التطلع إلى الحكم.
وثورة أخري تحت زعامة قبيلتي هوارة وبنو سليم قامت بها قبائل البدو والعربان في مصر عام 651هجري 1253م بزعامة الشريف بن حصن الدين بن ثعلب الذي تم الحكم عليه بالشنق في عهد بيبرس الأول، وقد ورد تاريخ تلك الثورة في كتاب السلوك للمقريزي، وفي كتاب صبح الأعشى للنقشبندي، وقد انتهت تلك الثورة إلى إعلان استقلال الصعيد، واستمر الاستقلال لمدة سبعة أعوام. وقام الشريف حصن الدين بن ثعلب بمنع جنود بني أيوب من تناول الخراج، وصرح هو وأصحابه: “أننا أحق بالملك من المماليك، العبيد، وقد كفى أنا خدمنا بني أيوب وهم خوارج خرجوا على البلاد”.
واجتمع العرب – وهم يومئذ في كثرة من المال والخيل والرجال إلى الأمير حصن الدين ثعلب وهو بناحية دهروط وأتوه من أقصى الصعيد وأطراف بلاد البحيرة والجيزة والفيوم وحلفوا له كلهم وبايعوه، فجهز إليهم الملك المعز خمسة آلاف فارس، ساروا إلى ناحية دهروط صربان وبرز إليهم الأمير حصن الدين ثعلب، وانتهت المعركة بهزيمته وفرار أصحابه.
ثم بعث الشريف بن حصن الدينالي الملك المعز يطلب الأمان، فأمنه ووعده بإقطاعات له ولأصحابه ليصيروا من حملة العسكر وعوناً له على أعدائه، فانخدع الشريف بن حصن الدين، وظن أن الترك لا تستغني عنه في محاربة الملك الناصر وقدم في أصحابه وهو مطمئن إلى بلبيس.
غير أن الملك المعز أمر بشنقهم جميعاً, وبعث بالشريف بن حصن إلى ثغر الإسكندرية فحبس بها وسلم لواليها الأمير شمس الدين محمد بن باخل.
وهي الثورة الوحيدة التي اشترك فيها العربان والبدو مع المصريين والفلاحين، وقد تم إخمادها بوحشية وقسوة، وكان الهدف منها إقامة سلطة بدوية مستقلة عن المماليك في مصر، ولا تزال آثار حصن الدين بن ثعلب باقية حتى اليوم في مسجد باسمه في قرية ديروط الشريف، التابعة لمحافظة أسيوط، والتي أطلق أسمه عليها.