«هاجمته التايمز وأنقذ توت عنخ آمون».. حكايات مرقص باشا رفيق سعد زغلول

تحتفل مصر هذا الشهر بمئوية اكتشاف مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون، وهو الحدث الذي كان له عظيم الأثر في التعريف بالحضارة المصري، ورغم الكثير من الألغاز التي تحاوط المقبرة وما تم الكشف عنه، ولكن هناك العديد من الأشخاص الوطنيين الذين كانت لهم وقائع تشهد على وطنيتهم ومنهم مرقص باشا.

حكم عليه بالإعدام

وحول هذا الأمر يقول الدكتور شريف شعبان المحاضر بكلية الآثار جامعة القاهرة ومسؤل التنمية الثقافية والوعي الاثري بوزارة السياحة والآثار:” مع مطلع عام 1924، ارتفعت أمواج الوطنية المصرية، ووصل الزعيم الوفدي سعد باشا زغلول إلى سُدَّة سلطة التنفيذية بعدما حصل حزب الوفد على 90% من مقاعد البرلمان، ونجح في تشكيل وزارة وطنية حلَّت محل وزارة يحيى إبراهيم باشا التي كانت موالية للإنجليز. ولم تكن سياسات تلك الوزارة رفض السيطرة الإنجليزية على السياسة المصرية فحسب، بل وعلى كل مناحي الحياة الثقافية المصرية. وضمن تركيبة تلك الوزارة الوطنية تولى وزارة الأشغال العمومية أحد الأبطال الوطنيين، وهو مرقص باشا حنا، عضو اللجنة المركزية لحزب الوفد والذي شارك سعد باشا الكفاح الوطني، حيث اعتقل وتعرض لمحاكمة عسكرية وحُكم عليه بالإعدام، ثم خُفِّف الحكم إلى السجن سبع سنوات، ثم أُفرِج عنه بعد ثمانية أشهر. ومع توليه مسؤولية الإشراف على الآثار وخصوصًا ملف مقبرة توت عنخ آمون، دخل الصراع مع كارتر في منحنى أكثر خطورة مما كان عليه.

ويضيف:” سافر كارتر إلى القاهرة يوم 6 فبراير 1924 لمقابلة الوزير الجديد فربما يجد عنده حلًّا لم يجده عند سابقه خصوصًا في أمر التصاريح. وكان موعد الاجتماع مقررًا له تمام الساعة الخامسة مساءً، لكن أحد مسؤولي الوزارة قد أخبره بأن الاجتماع سيتأجل نحو عشرين دقيقة سيقابل خلالها وكيل الوزارة السيد بيرسي توتنهام. وفي هذا الاجتماع كانت المفاجأة الصادمة لكارتر: اعتمد توتنهام على بنود تصريح مؤقت قد مُنح لكارتر عام 1918 للتنقيب خارج الوادي عكس التصريح الذي كان يعمل به كارتر في الوادي، حيث تنص إحدى بنوده على منع حصول المكتشف على أية مقتنيات من المقابر الملكية، بينما تغير نص بند “المقابر التي لم تُمَس” بأنها التي تحتوي على أية مقتنيات في حالة جيدة وسليمة حتى ولو طالتها أيادي اللصوص القدامى. وجد كارتر حينها بأن الحكومة المصرية تسلبه كافة حقوقه في العمل بالوادي عن طريق تلاعبها بقوانين التصاريح، رغم ذلك لم يستطع المقاومة مع شعوره بارتفاع تيار قوة الحكومة الوطنية.

الرد بالرفض

ويواصل:” ولما كان الكشف عن قناع توت عنخ آمون داخل تابوته بعد ستة أيام من تلك المقابلة انتصارًا مهيبًا حققه كارتر وسط كل تلك الخيبات المتتالية، أراد أن يعلنه في مؤتمر صحفي عالمي ورغب في ترتيب زيارة لزوجات أفراد فريق العمل لمشاهدة القناع والتوابيت المذهبة كنوع من التحفيز لهم بصحبة زوجاتهم والافتخار أمامهن، فأرسل إلى معالي وزير الأشغال يطلب منه تصريحًا بهذا الأمر، لكن الرد كان مخيبًا له بالرفض.

ويكمل:” اشتعل كارتر غضبًا حتى فقد أعصابه، واعتبر هو وفريقه العاملين في المقبرة رفض هذا التصريح بمثابة لطمة سافرة على وجوههم، وإهانة بالغة لا بد من الرد عليها، فاستغلوا المؤتمر الصحفي وألقوا بقنبلة في وجه الحكومة المصرية، حين أعلنوا أمام العالم كله بأنهم أغلقوا أبواب مقبرة توت عنخ آمون وعلقوا عملهم بها محدثين إضرابًا كاملًا. فما كان رد مرقص باشا إلا أنه كشف عن وجه الحكومة الصارم ويدها الباطشة، فأرسل قوة من البوليس المصري تقف عند باب المقبرة لحراستها وتفتيش محتوياتها ومنع كارتر وفريقه من دخولها أو حتى الاقتراب منها، وسرعان ما تحولت الحادثة إلى قضية وطنية وسار الناس في الشوارع والميادين يهتفون باسم مرقص باشا “وزير توت عنخ آمون” ويلعنون كارتر اللص. ورغم انتشار وحدات الجيش الإنجليزي بكثافة في شوارع القاهرة، فإن شجاعة سعد باشا زغلول وخوف الإنجليز من اندلاع الثورة مرة أخرى بسبب توت عنخ آمون منعهم من القيام بأي عمل عسكري مضاد.

تعريض كنوز مصر للخطر

ويستطرد:” انتشر الأمر بسرعة البرق، وأصبح خبر الموسم في جميع الصحف والجرائد، وتصدَّر اسم كل من مرقص باشا وكارتر عناوين الصفحات الأولى، فمجَّدت الصحف المصرية بطولة مرقص باشا وحمايته لآثار البلاد، وانتقدت موقف كارتر واعتبرته شخصًا انتهازيًّا يجافي أخلاق المهنة ويعرِّض تراث مصر وكنوزها للخطر. فنشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 16 فبراير 1924 تقريرًا موسعًا بعنوان “الخلاف بين كارتر والحكومة في وادي الملوك.. مساعي كارتر في صحف لندن”. ولخص الموضوع ما جاء متفرقًا في أعداد سابقة بشأن شكوى كارتر مصلحة الآثار المصرية لمنعها زيارة 22 سيدة إلى المقبرة، واللاتي قيل وقتها إنهن زوجات لأفراد فريق العمل الخاص بكارتر. أما صحافة الغرب وعلى رأسها لندن تايمز فقد انبرت في الدفاع عن كارتر ومشواره العلمي، وأطلقت سهامها تجاه مرقص باشا وانهالت عليه بمختلف الاتهامات. ووصلت تلك الكارثة إلى أعلى مستوياتها حين بلغت أروقة البرلمان الإنجليزي في لندن لمناقشتها، لكن رئيس الحكومة الإنجليزية آنذاك رامزي مالكدونالد وجد أن الريح القادمة من مصر قد تكون مضرة لحكومته، فأعلن أن الحكومة البريطانية لن تتدخل في حل تلك المشكلة وإنما كارتر سوف يواجه الحكومة المصرية بشخصه دون أن يمثل أي طرف حكومي إنجليزي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى