مارتان يكشف علاقته بالبدو أيام الحملة الفرنسية

كتاب حكايات عابرة للكاتب حمدى البطران، يرصد لنا الكثير من الأحداث التاريخية في مصر في فترات مختلفة ومن بين هذه الفترة الحملة الفرنسية التي أبدع في الكتابة عنها وشمل كل ما حدث فيها بإظهاره للناس ومن بين هذه الأمور علاقة الفرنسيين بالبدو آنذاك والتي تناول موقع”مباشر 24″ الكتابة عن جزء منها خلال المقال السابق، وفي هذا المقال نترك مارتان يتحدث بأسلوبه الخاص الذي نقله لنا عن الفرنسية المترجم القدير زهير الشايب في علاقته مع البدو وتفاصيل زيارة قام بها باصطحاب البدو فيها، كما جاءت في الكتاب.

يقول المهندس. ب. ب. مارتانمارتان يصف مشهد الاستقبال وفرح الشيخ ابو صالح بقدومه: جاء الشيخ المس نفسه للقائنا، وما أن أقترب منا بنحو مائة خطوة حتى ترجل واتجه نحوي سائرا على قدميه. بادلته على الفور نفس تحيته، وتقدمنا وهدف كل منا يإتجاه الآخر، وكل منا على رأس جماعته، وحتى هذه اللحظة كان الشيخ على يضع نفسه رهن إشارتي، اللهم إلا في اللحظات التي تركته خلالها عند طرف بحيرة قارون، أما الآن فإنه لم يتبعني مطلقا، لقد منعه من ذلك الاحترام الذي يكنه لوالده، ولقد أبديت لأبيه من جانبي كل رضائي لأنه أتاح لي أن أصحب رفيقا مثل ولده، وعربا مخلصين ذوي شهامة مثل أتباعه الشجعان من أبناء السمالو. ولاحظت انه تأثر لإطرائي. ومنذ تلك اللحظة نشأت بيننا الثقة.

امتطينا حصانينا من جديد وسار أبو صالح عن يميني. أما أبناءه الثلاثة فقد ساروا من خلفنا، وشكلنا على هذا النحو ما يشبه الدخول المظفر إلى المنيا. كان الوقت قد بلغ العاشرة والربع وكان السكان جميعا قد اصطفوا على جانبي طريقنا، وأسمعتنا النسوة زغاريدهن، تلك العلامة المعتادة عند حلول الأفراح الكبرى.

–           يقطن أبو صالح بيتا واسعا بعض الشيء , وسرعان ما امتلأ بعدد كبير من المدعوين من كل الطبقات والأعمار , وما أن جلسنا على الأرائك حتى قدم لي الشيخ صالح كل أبنائه , ولاحظت من بينهم طفلا لم يتجاوز التاسعة أو العاشرة من العمر , يكن له أبوه عاطفة خاصة, وكان هذا الصبي, وله وجه بالغ الجمال, يركب الخيل, ويستعمل الأسلحة بقدر ما قد يفعل أكثر البدو تمرسا, ويبدي من حيوية الطبع ما يسر والده بشكل بالغ , وقلت لأبي صالح أنني كنت قد لاحظت وأنا في السهل رشاقة ومهارة هذا الصبي ومظهره الحسن , دون أن أعرفه , وكيعقوب جديد , عبر لي أبو صالح , وقد هزه المديح الذي أنهال به على ولده المحبوب عن عرفانه بطريقة قد تبدو غير معقولة في تقاليدنا , ولكنها ولا شك نتيجة أفكارهم عن الرق , فقد قدم لي هذا الطفل قائلا أن بإمكاني أن أصطحبه , وأن ألحقه بخدمتي ! . أجبته بأنني قد تأثرت للغاية بهذا العرض، ولكن ولده لن يكون مطلقا على خير ما يرام، بل أنه قد يتلف بلا جدال لو انه نشا بين قوم غير قومه، وان لي فضلا عن ذلك، في فرنسا، طفلا كطفله، تتعلق به كل آمالي، وأنني معرفة مني بقدر صنيع السماء سوف ألوم نفسي إذا حُرِمت من خدمات رجل، أود أن أنظر إليه منذ الآن وأن أحبه كوالدي، فرفع عينيه إلى السماء شاكرا الله إذ جعله يجد في شخصي صديقا حقا. قد يدور في خلد البعض أنه قد لذ لي هنا أن أصور مشهدا من صنع الخيال، أو أنني على الأقل، قد جهدت في أن أمنح هذا المشهد بعض مذاق الخيال، لكن الحقيقة هي أنني أنقل بدقة ما قد حدث، وأنني أكاد أقدم أحاديثنا كلمة بكلمة كما وجدتها في مذكراتي، التي دونتها في مساء نفس اليوم..

ولا شك أن الشيخ أبو صالح قد أقدم على تلك الخطوة التي حاول فيها أن يهب ابنه للفرنسي مارتان اعتقادا منه أنه شخصية بالغة الخطورة والأهمية، وكان الرجل يقصد أن يحمِل مارتان على إعادة ترميم الجسر وخزاناته.

كما كان الشيخ يريد أن يذكر مارتان بأنه يمكن الاعتماد عليه وعلى كل قبيلة السمالو في كل مكان يذهب إليه وأنهم يمتثلون لأمره في الحياة والممات.

ولكن هل كان فعلا يريد الشيخ صالح أن يهب ابنه لمارتان؟

وقد حدثت واقعة أخري شبيهة، غير أن تفاصيلها غير معروفة، كان من نتيجتها أ2ن الشيخ رفاعة الطهطاوي عندما سافر إلى باريس حدثنا في كتابه ” تخليص الإبريز في تلخيص باريز ” عن شاب شاهده في مدينة مارسليا ” … من جملة المصريين لابسا أيضا كالإفرنج , واسمه محمد , منطلق اللسان في غير اللغة العربية , ولا يعرف من اللسان العربي إلا اليسير , فسأله عن بلده فأجاب انه من مدينة أسيوط , من أشرافها , وأن أباه يسمى السيد عبد الرحيم , وهو من أكابر هذة البلدة ,وأمه تسمي مسعودة , أو قريبا من ذلك الاسم , وانه اختطفه الفرنساوية في حال صغره , ويقول أنه باق على إسلامه وأنه يعرف من الأمور الدينية , الله واحد , ومحمد رسول الله , والله الكريم , يقول رفاعة الطهطاوي : ” ومن العجائب أنني بعد كلامه توسمت فيه الخير , وكان على وجهه سمة أشراف أسيوط حقيقة , فإن صح كلامه كان من أولاد سيدي حريز بن سيدي أبي القاسم الطهطاوي , وأشراف طهطا من أولاد سيدي يحيي بن القطب الرباني سيدي أبي القاسم , وله ولد ثالث يسمي سيدي على البصير , ذريته أهل قرية شندويل , وشهرة أبي القاسم الطهطاوي لا تخفي على من يعرفه, وإن لم يذكره سيدي عبد الوهاب الشعراني في الطبقات .وكثير من الأشراف في البلاد العثمانية ينتهي نسبهم إلى سيدي حريز المتقدم..

فهل فعلا تنازل زعماء القبائل العربية الشهيرة عن أولادهم للفرنسيين، أم أن الأمر مجرد عملية اختطاف كما ذكر لنا الطهطاوي، الأمر يحتاج إلى تدخل المؤرخين ليظهروا لنا الحقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى