تحدث الكاتب الكبير نجيب محفوظ عن إحسان عبد القدوس، وذلك في مقال نشره أديب نوبل بجريدة الاهرام في 15 يناير من عام 1990.
يقول نجيب محفوظ:” وُلد الراحل العزيز إحسان عبدالقدوس في نفس العام الذي انتقلت فيه أسرتي من حي الحسين إلى العباسية، جمعنا شارع واحد منذ مولده، كما جمع الود والجوار بين الأسرتين، ومنذ الأسبوع الأول توثقت الصداقة بيني وبين الأستاذ سعد الدين ابن عمة إحسان.
ومنذ التحاقي بالمدرسة الثانوية بدأ الطفل إحسان يظهر في الشارع، ويتقدم إلى الصبا دون أن تنشأ أي علاقة بيني وبينه بسبب فارق السن (8 سنوات)، ثم انتقلت أسرته إلى العباسية الشرقية ومضى يغيب عن عيني حتى طالعني اسمه في روزاليوسف – وربما في مجلة أخرى قبلها – كصحفي ، وفرحت بابن شارعنا الذي سيجمعنا القلم كما جمعنا الطريق، ورحت أتابعه باهتمام خاص وشغف، وشهدت على البعد معاركه البطولية مع الاستعمار والسراي والأحزاب ، فاستحوذ على تقديري وإعجابي بنفس القدر لإدارته لروزاليوسف ، التي تربى فيها كتاب من أنبه كتاب مصر، وتخرج فيها نخبة من الفنانين العظام ، كأنما هي معهد تدريب عال لخريجي الفنون الجميلة، وما زالت الدار عامرة بالكتاب الأجلاء والفنانين الموهوبين المبدعين.
ثم أعلن فقيدنا عن موهبته الفذة الأصيلة في الرواية والقصة القصيرة، وكعادته في حب المغامرة خاض مضامين عاطفية ووطنية واجتماعية غاية في الشجاعة والتحدي، وكعادته أيضا تعرض للحملات والهجوم ، وصمد لها بقوة لا تتأتى إلا لأولي الهمة والشجاعة الأدبية، ودون أي التفاف لمساندة النقد له ، شق طريقه إلى القارئ العربي ، فكان أوسع الكتاب انتشارا وأحبهم إلى قلوب الشباب.
وبعد عمر طويل من الفراق دعاني المرحوم يوسف السباعي إلى اجتماع ثلاثي منه ومن إحسان ومني ، للمشاورة في فكرة طرحها إحسان وتقبلها يوسف ، وهي إنشاء “نادي القصة”، فضلا عن اقتراحه بإنشاء مجلس أعلى للثقافة، وتساءلت ترى هل يذكرني إحسان؟.. هل يذكر لاعب الكرة الذي كان يتفرج عليه في أرض مولد النبي؟ وإذا به يقبل عليّ مصافحا بحرارة كما يقبل الصديق على الصديق، والجار على الجار، وكأنما لم نفترق دهرا طويلا دون لقاء واحد.
وقد كان له فضل عميم على جيلنا الأدبي كله، وإذا كان الراحل عبدالحميد السحار قد أتاح لنا فرصة النشر، فإن” الكتاب الذهبي “هو الذي أغدق علينا شعبية، ما كانت تتاح لنا ولا بعد نصف قرن من الجد والمثابرة، ولا أنسى كرمه وصفاءه حين احتفل بي في بيته لمناسبة حصولي على جائزة الدولة عام 1957، وكيف دعا للحفل نجوم الصحافة والأدب.
إنه الموهبة والصفاء والقلب الحسن، والمودة والوفاء والسماحة، وقد شاء الله أن يحرمنا منها، وأن يعوضه عن حياتنا خيرًا منها في رحابه الظليل.