كارستن نيبور يروى تفاصيل رحلته لـ”مصر” في القرن الثامن عشر

يحدثنا كارستن نيبور عن ديوان الحاكم أو الباشا في الشرق بما فيها مصر في القرن الثامن عشر عبر رحلته العلمية المصغرة والتي لم ينجو منها عيره، بحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران، فيقول كارستن: ويجلس في ديوان الباشا, علاوة على البكوات والأغوات المذكورين آخرين كثيرون , مثل قادة كخيا الكتائب, وعدد كبير من العلماء, ورجال الدين وغيرهم , ولمَّا لم أكن قد تمكنت من الحصول على معلومات وافية عن أعمالهم, فأنني لا أستطيع أن أذكر هنا شيئا موثوقا.

وكم كنت أتمني لو أن السيد ماييه, أورد أخبارا أوفى عن نظام الحكم في مصر لأنه أمضي فيها سنوات كثيرة , وعرف شخصيا كثيرا من وجهائها, فكان أصلح لمعالجة هذ  الموضوع, من رجل كانت رحلته في مصر رحلة عابرة , والظاهر أن نظام الحكم الذي وجده الأتراك في البلاد, لا يزال قائما إلى اليوم, وهو نظام لم يستطع الأتراك على قوتهم, أن يغيروا منه شيئا, والحق أنه جدير بأن نعرفه معرفة أدق, على الرغم من أنه لا يصلح للتقليد كل الأحوال .

ويكمل كارستن بحسب ما جاء في كتاب”حكايات عابرة”: لما كانت القاهرة تعج بصغار المستبدين, الذين يتخذ كل واحد منهم لنفسه حرسا خاصا, وأحزابا سرية وعلنية, ويحاول أن يكون الحكم في يديه, وأن يسقط غرمائه, فقد يظن الظانون أن الأمن حظه ضئيل بين الجموع الغفيرة التي تسير في الشوارع الضيقة بهذه المدينة, والحقيقة أننا لم نسمع عن حوادث سرقة وقتل تزيد عن تلك التي تحدث في اي مدينة أوروبية كبيرة , وهناك علاوة على قاضي القضاة , هناك عدد كبير من القضاة الآخرين,  ليسوا بين الأطراف المتنازعة , يجلسون يوميا في أماكن معينة وبيوت معلومة, ويقوم الإنكشارية في كل الشوارع الرئيسية بحفظ الأمن, ولكل حرفة شيخها الذي يعرف أهل الحرفة جميعا, حتي العاهرات واللصوص لهم في البلاد الشرقية كبيرهم, وليس معني ذلك أن اللصوص ينعمون بحرية السرقة , ولكن الذي يتعرض للسرقة يستطيع أن يتوجه إلى شيخ اللصوص, فيعيد إليه اشياءه, لقاء مكافأة سخية في أغلب الأحيان.

ويذهب عدد من وجهاء موظفي القضاء والشرطة نهارا وليلا، ومن خلفهم حاشية كبيرة تارة إلى هذا الحي، وتارة إلى ذاك، ليتأكدوا من صحة مقاييس وأوزان البضائع المعروضة في السوق، وليجمعوا المشبوهين ويضربوهم بالعصي، او يعلقوهم – دون مزيد من التقاضي – على المشانق، إذا قبضوا عليهم متلبسين، وهكذا فإن الخوف الدائم من مباغتة رجال القضاء ليلزم أصحاب الأفكار الشريرة حدودهم. وكنت كلما لقيت واحدا من هؤلاء الموظفين في الطريق، ألاحظ الخوف والفزع على وجوه عامة الشعب المصري، وكان خادمي المسلم إذا لمحه من بعيد يتمني أن يعود من حيث جاء، حتى لا يراه الموظف مرافقا لرجل أوروبي خلال شوارع لم يعتد الأوروبيون ولوجها، ولو لم أكن اجبره على السير ورائي لتركني وولي الأدبار.

وتابع نيبور: تسهم الأبواب الكثيرة المتخذة على مداخل الأحياء المنفصلة وعلى الشوارع الرئيسية إسهاما كبيرا في أمن الأهالي، فهي تقفل بالليل، إلا في شهر رمضان. ويقف بكل باب من هذه الأبواب بواب، يفتح لأولئك الذين تكون لديهم أعمال في الشوارع بالليل، ويأتون إليهم حاملين مصابيح راجين أن يفتح لهم. ويتلقى لقاء بقشيشا بسيطا، أما المشتبه بهم، فيستوقفهم جميعا، ومعني هذا أن أولئك الذين يخرجون ليلا للسرقة لا يستطيعون بحال من الأحوال الابتعاد كثيرًا، وهناك عند كل بوابة علاوة على ذلك حجرة صغيرة لواحد أو إثنين من الإنكشاريين.

ولا يتم تبدليهم في ساعات معلومة، ولا يستعرضون سلاحهم إذا مر بهم كبير من كبراء القاهرة على ظهر حصانه، وهم يظلون في موقعهم زمنا قد يطول إلى أعوام. ويضيعون الوقت نهارًا في تدخين التبغ ولعب الشطرنج وغيرة وفي الليل، ينام على الأقل واحد منهم في الحجرة المذكورة، وعلى هؤلاء الإنكشارية أن يسهروا على الأمن والنظام في الحي الذين يحصلون منه على أجورهم، فإذا تهاونوا فقدوا معاشهم الذي يحصلون عليه عن سعة وهم مرتاحون.

ولهذه الإجراءات فائدة كبيرة، عندما ينشب صراع بين الكبار في القاهرة، فسرعان ما تقفل الأبواب فيحول بين عامة الشعب والتجمع، بل قد سمعت أن البكوات تشتعل بينهم أحيانا معارك عنيفة في المدينة وفي الخلاء دون أن يتسبب عنها قتل الكثير من الأهالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى