«قضى على نور عينيه».. حكاية الحلاق الذي تسبب في العمى لطه حسين

ذكر الكاتب الصحفي إبراهيم عبد العزيز كيف أصيب طه حسين بالعمى وذلك في كتابه “طه حسين وثائق مجهولة” والصادر عن دار بتانة، وكيف كان مولد طه حسين والخطأ الذي تسبب فيه الحلاق فكانت إصابة عميد الادب العربي بالعمى.
يقول إبراهيم عبد العزيز:” لم تكن مطالع مولد طه حسين تدل على أن هذا المولود سيكون له شأن غير عادي، فللشيخ حسين على سلامة ستة أبناء قبله وهو سابعهم، غير ما سوف يأتي به رحم الغيب حتى يكتمل عدد الأبناء ثلاثة عشر، إلا أنه لحكمة إلهية كان طه حسين هو أحد أبناء الزوجة الثانية “رقية موسى محمد” التي تزوجها الشيخ حسين بعد أن يئس من مرض زوجته الأولى، فنصحه الناصحون، ومنهم أخاها – خال طه حسين – بأن الشرع يبيح له في هذه الحالة أن يتزوج، ففعلها وأنجب ممن أنجبهم “طه”، طفل عادي كأي طفل يأتي في سلسلة نسل كثير كما تعود أهل القرى والصعيد ليستعينوا بهم على شظف العيش في تلك البيئات الفقيرة في ذلك العصر من أواخر القرن التاسع عشر الذي ختم فيه على تاريخ تلك المرحلة باحتلال إنجليزي ثبّت أقدامه قبل مولد طه حسين بسبع سنوات، ولم يكن أحد يدري متى ينتهي، وإن كان طه حسين نفسه قد عاش ليشهد بعد ذلك تحرر مصر مرتين، إحداهما تحررها من الاحتلال الانجليزي الذي تفتحت عيناه على وجوده قبل أن يفقد البصر، والأخرى حين تحررت كرامة مصر من الهزيمة بانتصارها في 6 أكتوبر على قوات الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، وهو نفس الشهر الذي شهد رحيل طه حسين نفسه، ومن المفارقات الساخرة أنه في الوقت الذي وُلد فيه طه حسين، ورغم الاحتلال، إلا أن مصر كانت أكثر بلدان الوطن العربي أمناً واستقراراً، حتى قصدها كل أديب أو ثائر احتلت بلاده.
ويضيف:” ورغم الأُمية الضاربة جذورها في جسد المجتمع المصري، فقد كان هناك خمس وخمسون جريدة ومجلة مصرية وعربية تصدر من مصر، ويالها من مفارقة غريبة إذا قورن عدد الصحف المصرية الآن بالنسبة لعدد السكان، مقارنة بعددهم في ذلك الزمان.
ويكمل:” وقد كان كل شيء هادئاً في مصر كما كان هادئاً في بيت الشيخ حسين علي سلامة بعزبة الكيلو، وهي المسافة التي تبعد بها عن مركز مغاغة بمحافظة المنيا في صعيد مصر حيث وُلد طه في الرابع عشر من نوفمبر 1889.
ويواصل:” وتمر السنوات من عمر الطفل طه ولا جديد فيها، حتى حدث التحول الخطير في حياته منذ أن أصابه العمى، فصار كفيفاً قبل أن يكتمل نضج عينيه على الوعي برؤية ما حوله في عالمه الصغير وكونه الأصغر.
ويختتم:” ومهما كانت ظروف تلك الحادثة الفاجعة كنتيجة لسوء أحوال البيئة المليئة بالقاذورات والذباب الذي نقل عدوى الرمد إلى عين طه، وما تبع ذلك من وصفات بلدية زادت عيني الطفل سوءاً على سوء، مما جعلهم يسلمونه في النهاية إلى يدي حلاق القرية الأسطى خليل الذي قضى بجهله على البقية الباقية من نور تلك العينين الصغيرتين اللتان كان يرى بهما طه حسين الأشياء خيالات وأشباح، فإذا به بعد ست سنوات من طفولته لم يعد يرى شيئاً على الإطلاق، فقد نور البصر إلى الأبد، فهل كانت تلك الآفة هي أسوأ ما يمكن أن يصاب به إنسان.