“عايدة فهمى امرأة من طراز خاص”.. كتاب يروي تجربة أول نقابية في مصر

– توطدت علاقتها بنوية موسي من خلال عملها بالإسكندرية
– طالبت بالمساواة في الأجور بين الرجل والمرأة وتخفيض ساعات العمل

“عندما أنظر اليوم إلى تلك الأعداد الغفيرة من النساء وهى تخرج كل صباح متجهة إلى ساحات العمل المختلفة، أشعر بارتياح، فقد تكللت جهودنا بالنجاح، ولكن ما يحزنني أن أيًا منهن لا تعرفن ماذا فعلنا نحن لنتفتح لهن تلك الأبواب التي كانت فيما مضى ممنوعة عليهن، بهذه الكلمات اختتمت الأستاذة عايدة فهمى حديثها معى، وربما لهذا السبب كان لقاؤنا”.. بهذه الكلمات التي اقتبست من كتاب عايدة فهمى.. امرأة من طراز خاص” جمع وإعداد إنتصار بدر وتقديم الكاتبة فريدة النقاش، الصدر عن الهيئة العامة للكتاب.
ويقدم الكتاب شهادة ثرية عبر تاريخ حافل عاشته صاحبة الشهادة “عايدة فهمى” التي ولدت أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1918، ونشأت في ظل الظروف التي شكلت في أعقاب تلك الحرب، وعاصرت وشاركت في كفاح المصريين من أجل استقلالهم الوطني إلى جانب كفاحها النقابي والسياسي في مرحلة من أخطر مراحل النضال الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، والمراحل الأولى من عمر ثورة يوليو 1952 وما تلاها.
كما يوثق الكتاب أيضا عبر تجربة الحكى لمرحلة مبكرة من مراحل خروج المرأة إلى العمل، إضافة إلى أنه يوثق جانبًا مهمًا من نضال الطبقة العاملة المصرية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ويرصد جانبًا منسيًا من نضال المرأة النقابية، كان لصيقًا بالحركة النقابية ونضالها الوطني.
فالكتاب يعد شهادة لامرأة تنتمى لحركتين كانتا في طليعة المقاومة للتقاليد الرجعية والاستغلال الاقتصادي وللوجود الاستعماري في مصر.
وتحكى الكاتبة في الصفحات الأولى من كتابها الذي يضم بين دفتيه 250 صفحة ترصد حكاية عايدة فهمى وحياتها في العمل النقابي والمشكلات التي تعرضت لها، حيث كان والدها يعمل في مكتبة مدرسية بالسيدة زينب حيث نشأتها، لبيع أدوات الدراسة التي كان يستوردها من الخارج من أحد الدول الأجنبية، وعندما توفى تولت مسؤولية نفسها وأكملت تعليمها حيث كان لها ثلاثة أشقاء بنتين وولد.
وتناولت الكاتبة المحطة الأولى في حياة عايدة فهمى، وهى سفرها واغترابها لأول مرة في محافظة الإسكندرية عام 1936حيث كان عمرها آنذاك 18 سنة وشهرين وهو السن الذي تقبل فيه الحكومة التعيين، وتلقت وظيفتها في الإسكندرية في السنترال مع 7 بنات مصريات والباقيين من جنسيات مختلفة، ونزلت في مدرسة نبوية موسى التي فتحتها للمغتربات وكانت على حد قولها إيجارها مرتفع وتقدم خدمة سيئة في الطعام والشراب، وتشاجرات مع نبوية موسى إلا أنها في النهاية صارا أصدقاء وكن يقمن السهرات الثقافية حتى الساعة الثانية صباحًا، وتوطدت العلاقة فيما بعد بشكل قوي.
واشارت الكاتبة إلى على الرغم من أن عايدة فهمى كانت تذهب للعمل إلا أننها كانت محبة للقراءة بحسب حديثها معى، وكانت تقرأ بشغف بعد أن اشتركت في مكتبة بالإسكندرية، مؤكدة أنها عاشت في الإسكندرية 3 سنوات وتعلمت فيهم اللغة الإيطالية، ووصفت عودتها إلى القاهرة بالأيام الصعبة لأن البلاد كانت غير مستقرة، والسنترال على حد تعبيرها كان هدفه لطيران الدول المعادية الإيطالية والألمانية.
وتطرقت الكاتبة إلى طبيعة عمل عايدة فهمى في السنترال وكم الضغوطات التي كانت تتعرض لها هى وباقي زميلاتها وشروط العمل القاسية التي أوضحتها عايدة فهمى قائلة:” أن هناك قيودًا واجههتها المرأة التي تعمل في السنترال، كان ممنوع عليها الزواج أثناء العمل، وبالتالي الحرمان من الأولاد، ولم يوجد أجازات والأجور منخفضة، ولا يوجد علاوات لمدة 6 سنوات، ولا بدلات، وكان وردية البنات 8 ساعات عمل، كنوع من الاستغلال والعبودية لأن المدير كان إنجليزي، وكان ينفذ سياسة الجيش البريطاني داخل مصر”.
وانتقلت من السنترال إلى شركة “شل” وكانت التوظيف على أساس الدين والطائفة والجنسية، وكانت هذه الفترة عقب الحرب العالمية الثانية وحالة الحراك السياسي في البلد، وكانت تعمل أيضا في إدارة إنجليزية، وكان للمصريات نصيب أقل في الترقي وخلافه، وكانت الشركة عندما عملت فيها كانت تموج بثورة وكان فيه مخلفات إضراب حدث في عام عام 1946 في آبار الزيوت برأس غارب وكان إضراب ضخم للغاية.
وتحدثت فهمى عن تأسيس نقابة موظفى آبار الزيوت التي كانت نتيجة لغضب المهندسين مما ثاروا على الوضع والظلم الذي واجهه العمال المصريين في الشركة، وكان عام 1949 ثم ترأست لجنة الشكاوي ومنها إلى السكرتير العام بالانتخاب وسميت فيما بعد بنقابة”شل” للبترول، وقد مثلت مصر في أول مؤتمر للبترول والذي عقد بالجامعة العربية عام 1959، ومثلت عمال مصر في وفدها الرسمي لمؤتمر التضامن الآسيوي – الأفريقي عام 1958.
وتطرقت الكاتبة إلى حياة عايدة فهمى في العمل النقابي ودخولها الانتحابات فهي أول عاملة تصبح عضو مجلس إدارة نقابة عمالية في مصر عبر التاريخ النقابي المصري، وكانت من أوائل المطالبين بالمساواة بين الرجال والنساء في الأجور، وصنفت من إحدي المدافعين عن حقوق المرآة العاملة، كما تناولت الاضرابات التي تمت في تلك الفترة الغير مستقرة من العاملين في القطاع الخاص والعام.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فقد اقترحت إصدار مشروع قانون بتعديل القانون 1933 لتشغيل النساء وطالبت بالتأمين الصحي للنساء وتخفيض ساعات العمل، وتم تكريمها من السيدة سوزان مبارك والاتحاد العام لنقابات العمال في أول احتفال بعيد المرأة المصرية 1994-1995.
ثم رشحت لانتخابات مجلس الشعب عن دائرة ابن الرشيد ولم يحالفها التوفيق، وقالت آنذاك:” أنا لم أسعى لمناصب ولم أنزل انتخابات حبًا في الانتخابات كل ما كنت أسعى إليه هو تأكيد حق المرأة في المشاركة وسعيدة بتجربتي في العمل وفى العمل النقابي وأعتقد أني حققت أشياء كانت حلم وقدرت أساعد زملائي وزميلاتي فرق شاسع بين اليوم والأمس”.