“برطملين كلب”.. الكلمات الأخيرة في حياة سليمان الحلبي قبل تنفيذ الإعدام

يواصل المؤرخ عبد الرحمن الجبروتي، الذي عاصر فيها الحملة الفرنسية، سرد تفاصيل محاكمة سليمان الحلبي، الذي قام بقتل الجنرال جان بابتيست كليبر، أحد جنرالات الحملة الفرنسية، بحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران، الذي سرد تفاصيل المحاكمة وفق ما دونها الجبرتي.

أوكلت عملية تنفيذ حكم الإعدام إلى الجنرال الرومي برطملين، وبدأ بقطع رؤوس الشيوخ الثلاثة أولا كما نص الحكم أمام سليمان، وخلال تلك الفترة كان الفحم يحمي في مجمرة، وبعد الانتهاء من إعدام الشيوخ اقتيد سليمان إلى المجمرة، ووضعت الجمرات على كفة يده، غير   أن برطملين ازاح النار إلى المرفق، ولكن سليمان نبه أن الحكم لم يشمل المرفق، وقال سليمان برطملين كلب، وأصر على موقفه حتى أزيحت النار عن مرفقه.

وقد سجل أحد الحاضرين التفاصيل الكاملة لعملية الإحراق والخوزقة. وهي من البشاعة بحيث يتعذر كتابتها.

وعندما هم سليمان بالجلوس على الخازوق طلب شربة ماء، وهم أحد الفرنسيين أن يناوله إياها ولكن برطملين منعه، لأن أي شربة ماء كانت كفيلة بالقضاء عليه، وهذا يعطل مجري العدالة، كان سليمان وهو على الخازوق يتلوا القرآن، وهو ما ساعده بلا شك على تقبل الأمر.

ولا شك أن سليمان لم يعرف أنه بقتل كليبر فإنه أنهى محاولة للصلح كان يزمع القائد الفرنسي   أن يقوم بها، وأحل محله مهووسا بالحرب.

بعد أن لفظ  سليمان الحلبي أنفاسه‏,‏ أمر‏ جاك مينو‏‏ بوضع جثمانه سبعه أيام في العراء الصحراوي‏,‏ حيث افترست الجوارح والوحوش لحمه‏,‏ فلم يتبق من جثمانه سوي رفاته من العظام‏.‏

بفشل الحملة الفرنسية  على مصر بتحقيق أغراضها‏,‏ وخروجها من مصر يوم 18 اكتوبر 1801 ‏,‏ حرص قائد الحملة  على حمل جمجمة وبقيه رفات سليمان الحلبي معه إلى فرنسا عبر البحر‏,‏ وفي وقت لاحق‏,‏ مع انشاء متحف‏ انفاليد‏ في باريس‏ في مكان قريب من متحف اللوفر وساحة الكونكورد حيث تنتصب مسلة رمسيس الثاني التي كانت منصوبه في معابد الكرنك‏,‏ خصص رفان من أرفف احدي قاعات العرض في هذا المتحف‏,‏  على أعلاهما وضعت جمجمة الجنرال‏ كليبر‏ والي جانبها يافطة صغيره مكتوب  عليها‏:جمجمة البطل‏ الجنرال كليبر‏,‏ و على الرف الأدنى تحته وضعت جمجمة  سليمان الحلبي‏,‏ والي جانبها وضعت يافطة صغيره مكتوب عليها‏:جمجمة المجرم‏‏  سليمان الحلبي‏,‏ وهي اصغر حجما من جمجمة الجنرال‏ .            ‏

ولقد خصص تاريخ مصر الحديث‏,‏ موضعا في صفحاته المجيدة لاسم  سليمان الحلبي‏,‏ وقررت حكاية بطولته كماده للتدريس في برامج التعليم في المدارس المصرية وسميت باسمه عده شوارع في القاهرة ومدن مصريه أخري تخليدا لذكراه‏,‏ وهي الذكري التي تتجدد بعد مرور قرنين  على إعدامه‏ .

فيما بعد نشر المركز القومي للترجمة كتابا بعنوان ” مذكرات نابليون. الحملة على مصر”  تحدث فيه نابليون عن سليمان الحلبي. من منفاه في سانت هيلانة في قلب الأطلنطي. بعد هزيمته في معركة ووتر لو في 1815. تحدث نابليون في مذكراته عن اغتيال كليبر.

فقال إنه كان شابا عمره أربعة وعشرون سنة , درس في الجامع الأزهر , ومنذ ذلك الوقت قام بآداء الحج مرتين في مكة المكرمة , وفي بداية 1799 قام بزيارة القدس , وكان في هذه المدينة عندما وصل اليها الفارون من هزيمة هليوبوليس, والقادمون إليها من جميع لجهات, وقد عانوا كثيرا من عبور الصحراء , وكانوا ساخطين ضد الكفار ويتهمونهم بسوء النية, “وقد نصبوا لهم فخا ” كما كانوا يقولون, وكانوا يتضرعون كل يوم في المساجد لانتقام يرضي نفوس المؤمنين ويخزي الكافرين, وكان أحد اغوات الإنكشارية ولد في حلب.

وكان من اكثر الحانقين, أشاد برأس مواطنه وأقنعه بأنه تم اصطفاؤه من قبل النبي لإنقاذ الكعبة المشرفة, وإعلان الحرب المقدسة ضد المخادع والماكر زعيم الأوثان, وبعد النجاح سيرسله الى غزة إلى أغا من أصدقائه يرتبط بالجيش, وأقام سليمان في المسجد , واشتري خنجرا, وانضم إلى قافلة للصابون والتبغ تعبر الصحراء, ووصل إلى القاهرة. وهناك مكث في الجامع الأزهر وأسَّر لأربعة من أصدقائه الذين يخدمون المسجد ولا يخرجون منه أبدًا، وفي الأزهر كان سليمان يقضي الأيام والليالي في الصلاة، ويغطي الجرم بالآيات القرآنية التي لها علاقة بمشروعه.

وقام بثلاث رحلات إلى الجيزة ليعرف السلطان والمكان. وبدا له أن تنفيذ خطته صعب فشعر بالانقباض، وانتهت الأربعون يوما التي أتيحت إليه، وذهب عند الدكتور مصطفي، وهو بوسني وكان شيخاً يبلغ الثمانين من العمر، وهو معلمه السابق، وكان متعمقا في الأمور المقدسة، ولسوء الحظ كان يتحدث في ذلك الوقت عن الحرب المقدسة، وأنها أكثر الأعمال جدارة وضمانا لطريق الخلاص.

وقد أشعلت أحاديثه الصوفية تعصب سليمان من جديد, فعبر المدينة, وذهب إلى مسجد الجيزة وبات هناك , وفي اليوم التالي وصل إلى الميناء, وبينما كان كليبر مبحراً اتبعه سليمان في قارب في النيل, وحضر عرضا عسكريا في جزيرة الروضة , وتم طرده عدة مرات من المجموعة التي كانت تحيط بالجنرال العام, فتبعه إلى ميدان الأوزبكية , وأراد الدخول إلى حديقة المقر العام فتم طرده , ومع ذلك تمكن من الدخول إليه , وشرع فيه بالصلاة , وقضي هنالك مدة ساعتين في التعبد, وبعد ذلك الوقت انتهز اللحظة عندما كان كليبر وحده , ورمي بنفسه على ركبتيه , وقدم له عريضة, وفي أثناء قراءة الجنرال لها , طعنه بخنجره أربع طعنات , الأولي عبرت القلب , والثانية ضربت يده, وكانت الثالثة في الذراع.

والرابعة في الفخذ, وجاء المهندس بروتان فجأة وأمسك به القاتل وطعنه ست طعنات, وألقي به على الأرض بجوار جثة كليبر, وبدلا من الهرب , بدا سليمان يصلي , واستدار بوجهه إلى الشرق على بعد عشرين قدما من المكان من وراء جدا, وكان مساعد الخدمة يبحث عن الجنرال كليبر , ووجده بالفعل جثة هامدة , وتم إطلاق النفير وأسرع الجيش لحمل السلاح , واليأس والغضب يملأ كل النفوس , ودخل المرشدون المنزل والحديقة , وقادت آثار الدماء قائد الضباط المناوب إلى المكان الذي يصلي فيه سليمان, واستجوبه فأجاب سليمان بهدوء وسكينة, وعرض عليه الخنجر الدامي , فتنكر له , وتذكر ضابط سلاح الفرسان أنه قد شاهده من قبل خلال المعرض في جزيرة الروضة , ولكنه لم يكن متأكدا من ذلك , ولم ندرك ما العمل , لكن بروتان الذي لم تكن اصابته مميته عاد إليه وتعرف عليه, وبعد فترة وجيزة اعترف الجاني وذكر اسم شركائه.

وهكذا بواسطة خنجر متعصب مات كليبر وعمره سبعة واربعون عاما قائد جيش كبير، ومحارب مشهور، بين جنوده الذين أحبوه.

وقد تم دفن كليبر في موكب مهيب في أحد معاقل مزرعة إبراهيم بك، وألقي مهندس الرياضة فورييه مرثية له.

وتساءل نابليون: هل كان الصدر الأعظم وراء هذا الاغتيال؟

ويجيب نابليون على نفسه، بانه لا توجد أدلة على ذلك، فلم يذكر اسمه في تلك القضية ورفض الاتهام بغضب واستنكار، وكان الأغوات المشبوهون من أغوات حلب قد خدموا في جيشه، ولكن لم يكن لهم علاقة به.

وتساءل نابليون أيضا: هل كان يعلم شيوخ القاهرة بوجود سليمان الحلبي في الجماع الأزهر؟، وهل استطاع سليمان البقاء في الأزهر واحدا وثلاثين يوما داخل المسجد، وهو يصمم على القتل، دون أن يعلموا بذلك؟

وفي اثناء المحاكمة وعندما أراد المقرر أن يستجوب أحد المتهمين عن علاقاته بالشيوخ، صرح بأن الشيخ الشرقاوي لم يكن يعلم شيء، وأنه يفضل الموت على أن يتهم رجال الدين.

فهل كان العلماء على العلم بما كان يدبره سليمان. وكانوا تلقوا الآيات التي كان يضعها يوميا في حرم المسجد، فهي التقاليد. لكنهم كانوا عطشي للانتقام، وكانت معاملة الشيخ السادات قد نغصتهم، فأرادوا تجاهل كل شيء.؟