الشاعر البحريني الراحل إبراهيم العريض: لو أتيحت لى الفرصة لجمع نسخ ديوان”الذكر” لحرقته
- المؤتمرات مهمة لأن الأقطار العربية متقوقعة
- درست الشعر الأجبني والعربي
- الشعر الجاهلى أصدق وأعرق أنواع الشعر على الاطلاق
- أصدرت ملحمة عن فلسطين وأخر عن الأندلس تصف جمالهما
- صدمت عندما عدت للبحرين بعدما وجدت مظاهر الترفية في الهند
- نظمت الشعر الإنجليزي في بداية حياتي
- الشعر العربي تعرض لمأساة عظيمة
- الدواوين التي توجد بالمكتبات العربية ليست تراثًا
أحد كبار الشعراء في تاريخ البحرين، وأحد قادة الحركة الأدبية في القرن العشرين، قدم تجربة شعرية غنية نالت إعجاب النقاد والشعراء والأدباء بالعربية والإنجليزية، عكف على دراسة الشعر الجاهلي والعباسي، كان محط وهذا محط إعجاب من الجميع، ذاعت شهرته في الوطن العربي، حصل على العديد من الجوائز والأوسمة على تاريخه الشعري الكبير.
ساهم في صياغة الدستور البحريني بعد الاستقلال، ويعد واحدًا من الشعراء الموسوعيين” ويمثل بداية الحداثة الشعرية في منطقة الخليج، كما كان من مؤسسي المسرح الشعري، مات متعصبًا للعروبة، والده كان تاجر لؤلؤ، إبراهيم عبد الحسين العريض، الشهير بـ”إبراهيم العريض” من مواليد 8 مارس عام 1908 فى مومباي بالهند، تولّى إدارة إحدى المدارس حتى عام 1931، ثم أسس مدرسة أهلية، وعين سفيرًا متجوّلًا في ديوان وزارة الخارجية البحرينية في 1975، ورحل عن عالمنا يوم 1 مايو 2002 في المنامة بالبحرين.
صدر له الكثير من الدواوين منها: الذكرى، ديوانه الأول عام 1931، وا معتصماه ، العرائس، أرض الشهداء، شموع، المختار، ديوان العريض، مذكرات شاعر، كما حصل على العديد من الجوائز والأوسمة منها: قلّادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ووسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الأولى تقديرا لجهوده المتميزة في مجال الثقافة والأدب ودوره إبّان عمله سفيرا في وزارة الخارجية وقد اختير من بين رواد الفكر العربي ليكرم من قبل دار سعاد الصباح للنشر.
موقع “مباشر 24” قلبت في دفاتر الشاعر الراحل لتلقى نظره عن رأيه في الشعر، كما تكشف المستور عن بدايته في الشعر ووجهة نظره فيما يجرى على الساحة الشعرية من خلال مجموعة من الحوارات التلفزيونية له بتليفزيون الكويت مع الإعلام أحمد عبد العال.. فالحوار هو استحضار لروحه ليكشف لنا المزيد وكأنه حى يرزق بيننا، فالكصير من الناس لا تعرف عن عظماء الشعر شيئًا من الأجيال الجديدة وهذه مهمة الموقع تثقيف الأجيال، وإلى نص الحوار..
في البداية.. من هو إبراهيم العريض؟
إبراهيم العريض هو مولود عربي جاء إلى العالم من الخارج وهذا من حسن الحظ لأنه استطاع أن ينظر للعالم العربي من الخارج قبل الداخل وتفسير ذلك إني ولدت في الهند ونشأت معظم النشأة الأولى بها ودرست هناك وكانت دراستي باللغة الهندية والإنجليزية وأحيانا الأردية، وكانت اللغة الفارسية لغة ثانوية درسناها في المدرسة قبل أن يتاح لى أن أدرس اللغة العربية.
وكان مجيئ للبحرين لمدة شهرين للمرة الأولى في الثانوية جئتها في مستهل الصيف وقضينا شهرين فيها، واخذ والدي اللؤلؤ لكي يبيعه بالهند، ورجعت للصف الذي فارقته ولعل ما يهم السامعين أن يعرفوا أن الصف الذي كنت أدرس فيه كنت الأجنبي الوحيد بينهم باعتبار أن الهند بلدهم وكلهم هنود، ومع هذا كنت متفوقا عليهم، وكنت احصل على الدرجات الأولى كل عام عام، لدرجة أنه من الأشياء التي أذكرها عندما يأتي موعد الامتحان يلتف حولي الطلاب يطلبون مني موعدًا لنتفاوض حول المواد الدراسية فاكشف لهم نواحي كثيرة غامضة من هذه الدروس.
هل تتذكر هناك مواقف تتذكرها ولن تنساها في صباك أيام الدراسة في الهند؟
يالطبع، فمن الموافق العجيبة التي أذكرها أن أحد الطلاب الذين كنت أشرح لهم الدروس في الصف الثانوية حصل على المركز الأولى وحصلت أنا على المركز الرابع في الامتحان وهذه تعد المرة الوحيدة التي تفوق عليا طالب بالهند.
متى استقريت في البحرين بشكل نهائي؟
جئت للبحرين عندما حصلت على شهادة الثانوية كان عام 1926، فكانت الظروف في الخليج والبحرين ظروف بدائية حتى أني استوحشت الهند بما فيها من مظاهر الحضارة والفنون والثقافة والترفية، وكانت البحرين تفتقد تلك المظاهر حيث كانت البيوت تبني آنذاك من الحجارة التي تؤخذ من البحر بحيث إذا رأها الطفل من الخارج وجد أن هذه الجدران كأنها ضلوع انكشف عنها لحمها تظهر له هذه الجدران والبيوت كأنها خراب.
فتصور حالة طفل يأتي لأول مرة يرى هذه البيوت ويجلس فيها، ولكن من حكمة الله الباري أن جعل الإنسان يكيف ظروفه على الوضع البدائي، وكانت الحكومة في هذا الوقت قد بدأت تهتم بالعلوم والمعارف وذلك من بتأسيس المدارس وقد مضى عليها أكثر من عام، فعتمدوا عليا بالتدريس باللغة الإنجليزية فلم يكن لديهم إنسان يعلم باللغة الإنجليزية وهكذا دخلت في شئون المعارف في البحرين وباشرت التدريس.
وفى العام التالي تزوجت من ابنة عمى وهى التي لازالت رفيقتي في العمر وشريكتي في السعادة والشقاء وأنجبت بالبنين والبنات، وكان في أول صباه يجرى على غراري لكى ينظم الشعر، ونصحته بالدراسة والعلوم العلمية وكان متخصص في الكيمياء.
كيف بدأت رحلتك في الشعر والأدب؟
عندما كنت في الهند أدرس في الخارج هذه اللغات واقرأ أدبها شعرًا ونثرًا وكنت في هذه الفتر أنظم الشعر فقد نظمته بالهندية هذه الفترة، وعندما اتسع بى المجال في الإنجليزية نظمت الشعر باللغة الإنجليزية وكان عام 1953 وأذكر أن أخر مقطوعة نظمتها باللغة الإنجليزية كان بمناسبة زيارتي إلى انجلترا عندما كان الاحتفال قائمًا على قدم وساق في لندن للاحتفال بتتويج الملك وكان هذا أخر عهدى بالشعر الإنجليزي.
وأما أخر عهدى بالشعر العربي فكان بعدها بعامين، وبدأت انظم الشعر في أول حياتي باللغة بالإنجليزية وبقيت على ذلك ثم بعد أن جئت للبحرين كان من حسن توفيقي أن مديرالقائم على المدرسة عمر يحيى، وكان من حلب فكان شاعر وصدر له ديوان فيما بعد عنوانه “البراعم “.
واذكر تجربتتي الأولى أني اتي على الوزن الطويل للشعر فنظر الي البيت فوجود فعول مفاعلا مفاعيل والشرط الاساسي في الوزن الطويل هو ان المفاعيل تنقسم إلى شطرين لا يختلط ما في العزف عن التفاعيل التي هى في الشطر ولكن أنا في هذا الوقت لم يكن لدى هذا ذوق وكل ما هناك أن اقيم التفاعيل وأتيت بالعبارة بحيث جاءت الكلمة الوسطى نفسها في الشطر الأول والنصف الأخر في الشطر الثاني والتفاعيل صحيحة فقال لى هذا لا يجوز فقلت له على أي أساس فقال من غير المألوف أن تنقسم الكلمات وقلت له ولكنها تنسجم مع التفاعيل.
وهذا يدل علي الإنسان أحيانا إذا كان نصف جاهل أو نصف عالم يتعنت في الجدال وربما أساء إلى نفسه، ومنذ تلك السنة تفتح لى المجال وأصبحت انظم الشعر، وكانت الصورة عندي عن الشعر هو أن يكون على غرار ما كنت حافظًا فى اللغات الأخرى ولذلك صدمت عندما وجدت هذا الشعر المتداول عندنا والذي لا يصدق لا على الشاعر ولا على محله فغلطت نفسي وقلت لعل ذوقى هو المشؤول وتقع عليه المسؤولية ولكن اتيح لى بعد ذلك أن ادرس الشعر العربي في المهجر وهو أقرب بروحه إلى الشعر الذي درسته في المدارس وحفظته في الأدب الغربي، فوجدت أن هناك مفهوما للشعر صحيحًا عند أناس ومفهومًا خاطئًا عند البعض الأخر.
أعجبت بالشعر الجاهلي ووصفته بأنه أعرق الشعر في العالم.. لماذا؟
عندما انتقلت من دراسة الشعر في المهجر إلى دراسة الشعر الغزلي في العصر الذي جاء بعد صدر الإسلام الشعر العذري مجنون ليلى لأنه صائغ مقبول، ثم انتقلت إلى دراسة الشعر العباسي ودرسته دراسة مستفيضة، انتقلت إلى الشعر الجاهلى ووجدت أن الشعر الجاهلى أعرق في الروح الشعرية من كل ما أعقب، وبهذه المناسبة كنت زائرًا إلى جامعة كامبريدج ووجدت هناك القائمة على المكتبة العربية درست الشعر العربي والجاهلى وأخذت بيدي تريني بعض المخطوطات التي كانت ميسورة من المصاحف والدواوين الشعرية، فوقفت عند حماسة بن أبي تمام الشاعر في العصر الجاهلى، فقلت لها وكيف وجدتي عندما درستي شعر أبي حماسة فظهر من إجابتها أنها كانت مفتونة بشعره، فقلت لها لماذا انتي مفتونة بهذا الكتاب، فقالت أن الشعر الجاهلى هو أصدق شعر في العالم وهذا جاء تأكيدًا لى عندما عكفت على دراسته.
وما هى أول قصيدة نظمتها في بداية الشعر؟
كانت فى عام 1931 كنت مع الاستاذ عمر يحيى وكنت محاولتي الأولى ونشرت هذه المحاولات في كتاب عندما ذهبت إلى بغداد في العام التالي وكان عنوان الديوان “الذكر”، ولو أتيح لى بجمع نسخ هذا الديوان لجمعته وأحرقته كله لأنها كانت محاولة اعتبرها عتبة للانتقال من عتبة التالية عندما قانست من نفس القدرة على الانطلاق في النظم.
ثم نظمت بعد ذلك في الثلاثينات بدءاً بالغزل ثم انتقلت من الغزل ثم انتقلت من الغزل إلى شئ شعرت أني استطيع أن اتبرز فيه وكأنها هي هبة أتيحت لى وهو الشعر القصصي وكان الانتقال من الشعر القصصي من الشعر الغنائي، لأني في الغزل كنت أحاول أني آتي بقصة، ومن هنا تمهد الطريق أمامي لكى أتى في السنوات التالية بالقصص التي نظمتها والتي ظهرت مجموعتها الأولى من كل ما نشر في رسالة زيات في ديوان اسمه العرائس، ومجموعة أخري لكل ما نشرت بعد الحرب العالمية في مجلة الاديل البيروتية، وغيرها من الدواودين والملاحم أحدهما كانت تتعلق بالأندلس، والملحمة الأخرى بفلسطين وما يجرى فيها ووصف المسجد مع الصخرة إضاة إلى الأحداث.
اشتركت في الكثير من المهرجانات والمؤتمرات الشعرية؟ ما مدى إسهامك في المرتمرات؟ وما فاتدتها على المواطن العربي؟
هذه المؤتمرات لها فائدة كبيرة من ناحية أننا في أقطارنا “كيف نعيش” نعيش في نوع من القوقعة منعزلين عن بعضنا ويتصور كثير منا أن همومه يجب إلا لا تتجازو هذه الحدود المحلية التي هو مقيم بين ظهرانيها، وإنما منذ اللحظة الأولى كنت اعتبر الأمة العربية هى أمة واحدة ولذلك فهى بالنسبة إلى المجموع البشري تمثل جبهة واحدة وأن شاعر ينظر مثلا في المغرب أو تونس أو مصر أو البحرين أو الجزائر أو في بقعة من بقاع العالم عندما يعبر عن معاناة أمة فيجب أن تصدق تلك المعاناة على الأمة الكبرى أكثر ما تصدق على المعاناة التي يعيش فيها وهى دولته.
وما يجرى بين المجتمعين في مؤتمر شعري من كواليس ومفاوضات ومناقشات أهم بكثير من الكلمات التي يأتي بها بعضهم ويلقى بها في المؤتمر لأن هذا الكلمة المكتوبة يستطيع أن يسمعها الإنسان دون أن يكلف نفسه مشقة السفر من هذه الناحية هذه المؤتمرات تجمع بين الشرقي والعربي والمغربي يستمعون إلى لجهات بعضهم ويدركون الأهداف المشتركة التي يعملون في سبيلها.
درست في الشعر العربي والأجنبي واطلعتم على الاثنين.. فكيف وجدت الشعر العربي؟
الأدب العربي نٌقب بمأساة عظيمة نوهت إليها في أحد محاضراتي، واستطيع أن ألخص القول هو أن الأعاجم من أبناء الملل الأخري عندما انضموا إلى البقاع الإسسلامية كان عليهم أن ينظموا الشعر على غرار ما ينظمه العرب، وعادة إذا جاء الانسان من الاجانب لكى ينظم شعرًا في هذه اللغة فهو يضع المثال أمامه من ما ينظمه من أبناء اللغة أنفسهم وكان الشئ الموجود أمام هؤلاء الشعر الجاهلى، فهم لكى يظهروا على أنهم متفقون في نظم الشعر العربي قيدوا أنفسهم بأن لا يتجاوزوا المنهج الذي كان يجري عليه الشعراء العرب معنى أنهم لن تكون لديهم الروح الاستقلالية لكى يستأثر بالتعبير عن ظروفه الخاصة وشخصيته الخاصة فوجدوا أن الشعر الجاهلى يبدأ بالتغزل أو البكاء على الاطلال فجعلوا هذا الالتزام ووجدوا أن هناك ربطا للموضوع في القصيدة بين جانب من المواضيع وجانب أخر وهم أيضا جنوا على القصيدة ثم لم يكفهم أن يلتزموا بهذه الأشياء كلها بل جاوزوها إلى المعاني الأخرى وظل الشعر على هذا المنوال استثارًا لمدة ألف عام، ولا اعتبر الدواوين الموجودة في المكتبة العربية تراثًا.