“الحرمان من الوطن يعادل سفك الدماء”.. أستاذ بالأزهر: حثنا القرآن الكريم على حب أرضنا

قال الدكتور أحمد البصيلي، أستاذ الشريعة بالأزهر، والداعية الإسلامي، إن القرآن الكريم يتحدث عن حب الإنسان لوطنه كمعادل وقرين لحب هذا الإنسان للحياة !.. ولذلك فالإخراج من الديار معادل ومساو للقتل الذي يخرج الإنسان من عداد الأحياء، قال تعالى ( ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركُم ما فعلوهُ إلا قليلٌ منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدَّ تثبيتاً ).

وأضاف في تصريحات لـ”مباشر24″،  أن من بنود المواثيق التي أخذها الله على بعض الأمم؛ نتعلم منها أن الإخراج من الديار، والحرمان من الوطن، هو معادل لسفك الدماء والإخراج من الحياة، قال تعالى ( وإذ أخذنا ميثاقكُم لا تسفِكون دماءَكُم ولا تُخرجون أنفسكُم من دياركُم ثمَّ أقررتُم وأنتم تشهدون* ثم أنتُم هؤلاءِ تقتلونَ أنفسكُم وتخرجونَ فريقاً منكم من ديارهِم تظاهَرونَ عليهم بالإثمِ والعدوانَ).

وأشار إلى أن من صور حب الوطن القيام بمسؤولياته، وحفظ أماناته وأدائها إلى أهلها، وليس بسرقة الوطن والمواطنين، حب الوطن يكون بالدفاع عنه، وعن دينه ومقدساته ومواطنيه، وليس بأذيتهم، إن حب الوطن يكون بحفظ نظامه ، وإصلاح أهله، وليس بإفسادهم، إن حبَّ الوطن باحترام الكبير ، والعطف على الصغير ، واحترام الجار، ونظافة الشارع، وعدم مضايقة أبناء الوطن أو ترويعهم .

وأكد على إنَّ حبَّ الوطن بالحرص على كل ممتلكاته ، والتعامل بأخلاق المسلم مع المسلم في كل مكان ، ومع غير المسلمين المسالمين بالبر والقسط قال تعالى: ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ).

وأكمل: إن من مقتضى محبة الوطن ؛ المحافظة على ثرواته وخيراته، وعدم العبث بأمواله، فأنت مؤتمن على كل ما يُوكَل إليك من أعمال ، وأنت راع في وزارتك ، أو إدارتك، أو مكتبك ، وأنت راع لمن ولاك ولي الأمر عليهم من العاملين ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وقال  أيضا ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.

وتابع: ليعرف الجميع كبارا وأطفالا نساء ورجالاً: أن الوطن غال ومهما بذلنا لأجله فلن نوفيه حقه، فقد عشنا تحت سمائه، وأكلنا من خيراته، وترعرعنا فوق أرضه، فقد توفر لنا بهذا الوطن الأمن والأمان وبعد كل ذلك فمن منا لا يحب الوطن ؟!

وقال البصيلي: يكفينا من ذلك كله ديننا الإسلامي وشريعتنا السمحة، التى تحثنا على الانتماء للوطن، فمن هنا ينطلق حب الوطن عن طريق الانتماء، فالأسرة مسئولة، والمجتمع مسئول، والمؤسسة التربوية ( المدرسة ) مسئولة عن غرس هذا الحب والانتماء للوطن في قلوب أبنائنا وبناتنا؛ لرد الجميل للوطن، الذى قدم لنا الكثير، فالإحسان بالإحسان، وهذا ما حثنا عليه ديننا الإسلامي، وذلك عن طريق تقدير واحترام ممتلكات الوطن، فالمدرسة وما تحتويه من أثاث وأدوات خاصة بالتعليم تعد من ممتلكات الوطن؛ فيجب علينا تعليم الطلاب بالمدرسة المحافظة عليها، وعلى نظافتها، ونظافة الشوارع العامة، فهذا جزء من حب الوطن، وحب الوطن من الإيمان.

واستشهد بقول الحافظ الذهبي – وهو من العلماء المدقِّقين – مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه”.

بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ        وَأَهْلِي وَإِنْ  ضَنُّوا  عَلَيَّ  كِرَامُ

وقد حكى الله – سبحانه وتعالى – عن نبيِّه إبراهيمَ – عليه الصلاة والسلام – أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله – تعالى( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير).

ودعاء سيدنا إبراهيمَ – عليه السلام – يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله.

ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة؛ ولهذا نرى أن الله – سبحانه وتعالى – شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال – تعالى ) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ( . فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!

لا شك أننا في حاجة إلى بناء روح وطنية جديدة ، تؤمن بحق الوطن على أبنائه، وتدرك أن الوطن هو  بيتنا الكبير الذي  ينبغي أن نتعاون في بنائه وصيانته من أي مخاطر تعرضه للتصدع أو الانهيار، وأن نعمل على رقيه وتجميله، ونظافته وأناقته، وأن يضحى كل منَّا  بشيء من جهده وماله فى سبيل ذلك ، مدركين  أن للأوطان على أبنائها حقوقاً كثيرة، وأن الدفاع عن الوطن جزء من صلب العقيدة، وأن العدو إذا دخل بلداً من بلادنا أو حاول وجب علينا شرعاً أن نتصدى جميعاً له، بكل ما أوتينا من قوة ، بالنفس، أو بالمال، أوبهما معاً، وفى ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى ( وأعدوا لهم  ما استطعتم  من قوة ).

وأن نعلم أن من قُتل دون نفسه  فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قُتل دون وطنه فهو شهيد، وأن الشهادة في سبيل الوطن تَنُم عن نفس  راقية، وحس إنساني وطني فريد، حيث يؤثر الإنسان النبيل مصلحة وطنه على نفسه وماله وحياته

بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي        يُمَجِّدُهَا  قَلْبِي  وَيَدْعُو  لَهَا  فَمِي