Site icon مباشر 24

الجبرتي يواصل حكاية يعقوب القبطي مع الحملة الفرنسية 2-2

شخصية تاريخية مصرية، ثار حولها الكثير من الجدل كثير، سبب الجدل الذي يحيط بشخصية يعقوب، هو تعاونه مع الاحتلال الفرنسي والذي استوقف عدداً كبيراً من المؤرخين، فالبعض يراه خيانة لا تقبل التأويل والتبرير، بينما يرى البعض الآخر أنه سياسي بطل حاول مقاومة العثمانيين بالتعاون مع الفرنسيين، وهناك رأي آخر يري أنه كان يحاول الدفاع عن الأقباط، في وجه الأتراك العثمانيين الذي صبوا غضبهم على الأقباط، بعد انهزام الفرنسيين.

وبحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران، وذكر الجبرتي أيضا أن” يعقوب القبطي , لما ظاهر مع الفرنساوية , وجعلوه ساري عسكر القبط , جمع شبان القبط , وحلق لحاهم , وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية, مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة , وعليها قطعة فروة سوداء من جلد الغنم في غاية البشاعة , مع ما يضاف إليها من( قبح صورهم , وسواد أجسامهم وزفارة ابدانهم ), وصيرهم عسكره وعزوته, وجمعهم من اقصى الصعيد, وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن فيها خلف الجامع الأحمر, ويني له قلعة وسورها بسور عظيم , وابراج وباب كبير يحيط بد بدنات عظام . وكذلك بني ابراجا في ظاهر الحارة جهة بركة الأزبكية، وفي جميع السور المحيط والأبراج طيقانا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر الذي رمه الفرنساوية، ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلا ونهارا، وبأيدهم البنادق على طريق الفرنساوية “.

بعد تأليف الفيلق القبطي قام الجنرال كليبر، الذي حل محل نابليون بعد سفره، بمنح المعلم يعقوب رتبة الكولونيل أثناء حفلة عسكرية، وأمر بأن يكون له حرس شرف يرافقه في تنقلاته، وأعطيت له براءة الرتبة يوم 1 أغسطس 1800 موثقة بتوقيع داماس رئيس أركان الجيش الفرنسي.

وعندما دخل الإنجليز ميناء أبو قير، ونزلت جنودهم الأراضي المصرية هناك في 28 فبراير 1801 أضطر القائد الفرنسي مينو للرحيل عن القاهرة، وعين الجنرال بليار حاكما عاما على القاهرة، وزوده مينو بالتعليمات التي ينبغي أتباعها إذا زحف الأتراك على القاهرة، وطلب من الكولونيل يعقوب معاونة بليار، وفي مارس 1801 رقي الكولونيل يعقوب إلى رتبة الجنرال.

كما ذكر كان الجنرال يعقوب صديقا للجنرال ديزييه. ورافقه أثناء حملته على الصعيد. وعندما تم توقيع معاهدة العريش سافر ديزييه إلى فرنسا، وهناك ألتحق بالجيش الذي كان يحارب في النمسا، وشهد موقعة رينجو، والتي أنتصر فيها الجيش الفرنسي في 12 يونيو 1800, غير أن ديزييه لقي حتفه ومات في تلك المعركة. ولما بلغت أنباء الحرب في النمسا الجيش الفرنسي في القاهرة أقيم حفل لتأبين ديزييه حضره الجنرال يعقوب مرتديا ملابس الجيش الفرنسي الرسمية. ولما علم أن الضباط الفرنسيين يقيمون اكتتابا لإقامة تمثال لديزييه في باريس، كتب الجنرال يعقوب إلى الجنرال مينو يطلب منه الموافقة على مشاركته في هذا الاكتتاب.

لم تتكلف الحكومة الفرنسية أي تكاليف عند أنشاء فرقة الجنرال يعقوب.

وطبقا لشهادة صادرة عن أعضاء مجلس الديركتوار السبعة، وعلى رأسهم اليوزباشي جنرال المكلف بعهدة ملابس الجيش الفرنسي، وتظهر الشهادة ما تم توريده من ملابس إلى الكولونيل غبريال وكانت كالآتي:

850 قميص وبنطلون

750 صدرية وطاقية وبرنيطة.

800 جبخانة

100 سنجة.

30 مدفع

180 مصيدة

2علم

وقيمة تلك الأصناف 1900 فرنك، يضاف إليها 465 فرنك ثمن أشياء أخري، وتصبح الجملة 19465فرنك فرنسي.

ويشهد الموقعون على الشهادة من أعضاء مجلس الديركتوار بناء على المستندات المقدمة إليهم من المعلومات، بان المال الذي دفعه الكولونيل غبريال بصفته المذكورة أعلاه تسعة عشرة ألف وأربعمائة وخمسة وستين فرنكا.

وقد حررت الشهادة في مرسيليا يوم 27 يناير 1802. كما وقع يوزباشي الملابس , بأن تلك المهمات الموضحة كانت موجودة بالفيلق القبط. وشهادة أخري كتبها قوميسيير الحرب، وأقرها الجنرال مينو القائد العام لجيش الشرق، وكان في مرسيليا وقت كتابتها ونصها كالآتي:

” أنا قوميسيير الحروب، بعد الاطلاع على الطلب المقدم إلينا بواسطة القائد العام مينو , وعلي بيان المهمات والمستندات المؤيدة له , وعلاوة على ما لدينا من معلومات .

أشهد بأن وقت تنظيم الفيلق القبطي الذي كنت مكلفا به، كان معظم رجال الفيلق حاصلين على ملابسهم وأسلحتهم، وأنه لم يصرف لهم شيء من أموال الحكومة، وأن مبلغ 19465فرنكا دفعها الكولونيل غبريال، الذي حل محل الجنرال يعقوب قائد الفيلق القبطي. تحرر في مرسيليا في 7بلوفيور سنة 10 (27 يناير 1802) .

ونري من خلال قراءة تلك المهمات أن عدد الفيلق القبطي لم يكن يتعدى بأي حال من الأحوال سبعمائة فرد، وليس ألفين كما جاء في بعض المؤلفات. قدم الجنرال يعقوب خدمات عديدة للفرنسيين في مصر، فكان بمثابة المستشار لقواد الحملة الفرنسية.

وحدث أن قام الجنرال مينو بتعيين الكولونيل ستيف مديرا عاما للإيرادات، واحتاج ستيف إلى خدمات الجنرال يعقوب، فعمل مستشارا له في جباية الأموال، ولما لم تكفي الضرائب التي فرضها مينو على الشعب والمماليك وزوجاتهم، طلب ستيف من القائد العام أن يستدعي المعلم يعقوب، ليطلب منه تدبير مبلغ مليون ونصف من الفرنكات. وبالفعل أستدعي القائد العام الفرنسي الجنرال يعقوب، وتفاوض معه في شان المبلغ، ووافق يعقوب على إعطاء القائد المبلغ. وقام الجنرال يعقوب بتكليف أربعة من الأقباط وهم جرجس الجوهري، وأنطوان أبو طاقية، وفلتاؤوس، وملطي، على أن يقوم كل منهم بدفع 300 ألف فرنك، وبالفعل جمع هؤلاء المبلغ المطلوب، وسلموه للكولونيل ستيف كسلفه للحكومة الفرنسية، وأعطاهم ستيف سندات على خزينة الحكومة الفرنسية، على أن يخصم من الضرائب المطلوبة من المديريات الداخلة في اختصاصهم الإداري.

وبعد فشل الحملة الفرنسية، وتحالف الإنجليز مع الأتراك، وبدأت عملية مغادرة الفرنسيين لمصر، بموجب المعاهدة مع الإنجليز، تم تسليم مدينة القاهرة بمعرفة القائد بليار. وتم السماح لكل من يرغب من المصريين الخروج من مصر صحبة الجيش الفرنسي.

وقبل السفر اجتمع الجنرال يعقوب برفقائه من الأقباط، وهم جرجس الجوهري، وأنطوان أبو طاقية، وفلتاؤوس، وملطي، وقاموا بتسليم يعقوب سندات القرض الفرنسي كي يسعي هناك لاستردادها.

وعندما تم توقيع وثيقة استسلام القوات الفرنسية، وتأهبت قواتها إلى الإبحار والعودة كانت هناك اعداد من المصريين يتمسكون بالذهاب إلى فرنسا، وهؤلاء هم بعض أعضاء الجيش المصري القبطي الذي أنشأه الجنرال يعقوب.

وبالفعل أبحر يعقوب على أحدي السفن ومعه بعض قواته وأركان فيلقه الذي أسسه من المصريين، منهيا بذلك اول فكرة لإنشاء جيش مصري.

أستقل الجنرال يعقوب آخر بارجة حربية أقلعت من المياه المصرية، وهي البارجة لايلاس، وكان فيها الجنرال بليار، وهيئة أركان حربه، ومعهم 350 جنديا، وكان معهم أيضا مريم نعمه زوجة الجنرال يعقوب ووالدته مريم غزال، وابنته منة، وشقيقه حنين، وابن أخيه غبريال سيداروس وشقيقه، وبعض أقاربه وعدد من الخدم.

ومن الذين رافقوه أيضا إلياس بقطر، ابن شقيق يعقوب، والذي قام فيما بعد بكتابة القاموس الشهير العربي فرنسي، والمعروف بقاموس إلياس. وعدد من أعيان المصريين منهم لطفي نمر، وجورج عقيده الذي كان مديرا لجمارك القاهرة أثناء الحملة الفرنسية، ونقولا السكاكيني، وفرج خوري وشقيقه ميشيل خوري، وأبحرت الباخرة في 16 اغسطس 1801.

لقد فهم يعقوب الأمر جيدا، وأدرك انه يبدون قوة عسكرية لن يصبح لأي أفكار قيمة، وعندما خالط الفرنسيين تعلم منهم مبادئهم. فنظر الى مصر نظرة شمولية، وأدرك انها لا ينبغي أن تعود بعد جلاء الفرنسيين الى العثمانيين، ولا إلى المماليك وكلهما أجبني عن مصر.

كان يريد أن يكون للمصريين الحق في تقرير مصيرهم، فيما يجري حولهم، بدلا من أن يشتركوا في النهب والسلب للمهزومين، كما حدث في الحوادث الماضية بين المماليك والفرنسين. حيث كانوا دائما ينحازون الى المنتصر وينافقونه.

وهو ما ذكره الجبرتي عندما قال في حوادث 1218 هجرية، في معرض حديثه عن اشتباك بين الألبانيين مع الأتراك التابعين للوالي العثماني. وهو الاشتباك الذي جاء في نهايته محمد على واليا على مصر. فقد ذكر الجبرتي أن الألبانيين كانوا يقولون للعوام المصريين من أهل القاهرة : نحن مع بعضنا , وانتم رعية فلا علاقة لكم بنا , أي انكم يخضعون لمن ينتصر [ ] . وقد عثر الباحث والمؤرخ شفيق غربال الأوراق الخاصة بمشروع الجنرال يعقوب لاستقلال مصر، في سجلات وزارتي الخارجية الإنجليزية والفرنسية. وقد أشار الى تلك الأوراق المسيو ديون.

وذكر فيها أن الخدمات التي كان يقدمها الجنرال يعقوب تنقسم الي قسمين. خدمات من نوع ما قدمه جرجس الجوهري، والمعلم ملطي، وأبو طاقية، وغيرهم من كبار الأقباط، أساسها النفع الشخصي من جهة، والخلاص مما كانوا فيه من امتهان لا يرفعهم من حضيضه ما ملكوه من مال وجاه، ولا يفارقهم مهما زادت حاجة الحكام إليهم، وخدمات من نوع آخر أساسها التمهيد لمستقبل البلاد السياسي بالتعضيد المؤقت للحكم الأجنبي”.

ومن ناحيتنا نري أن مشروع الجنرال يعقوب لإنشاء دولة مصرية مستقلة كانت فكرة خطرت في تفكير الجنرال يعقوب, وأقنع به بعض الساسة الفرنسيين والإنجليز , وربما كان الجنرال الفرنسي ديزييه, الذي أخضع المماليك في صعيد, وراء هذا المشروع , من خلال الجلسات المطولة التي كان يعقدها مع الجنرال المصري يعقوب, ومن خلال المسامرات, فلم يكن ديزييه مجرد قائد عسكري , ولكنه كان مثقفا وسياسيا , وواعيا تماما لأفكار العلوم السياسية , وربما حاول إقناع يعقوب بما وجده فيه من حسن تدبير, ورغبة في التعلم , وهو ما لم يجده الفرنسيون في أي شخصية مصرية من الشخصيات التي تعاملوا معها .

التفاصيل التي أوردها لاسكاريس عن مشروع الجنرال يعقوب, والذي أملاه عليه الجنرال يعقوب , في الباخرة , لا توحي أبدا بفكرة إنشاء قومية , أو بناء دولة , ولكنه مشروع دولة تنقصه رعاية دولة أجنبية , كبريطانيا أو فرنسا , كي يصبح قابلا للتنفيذ, وهو ليس كمشروع محمد على الذي نفذه في مصر , فيما بعد , منسلخا عن الدولة العثمانية , والذي تمكن من تحييد الدول الكبرى في ذلك الوقت ,وكانت تلك الدول لا تزال تقف في جانب الدولة العثمانية , ولم تكن تنظر إلى محمد على إلا بكونه حاكم مجتهد ,  مع أن محمد على لم يكن مصريا , ولكنه مغامر جسور ولا تنقصه الجراءة .

لقد كانت فكرة المعلم يعقوب تقوم على تجنيد المصريين من الأقباط فقط، وهي الفكرة التي لم تخطر ببال أحد الشيوخ الذين عاصروا الحملة الفرنسية، مثل الشيخ الفيومي أو البكري وغيرهم.

وكانت فكرة يعقوب من الناحية العملية ضرورية، لحماية الأقباط من العسف والظلم والجور الذي تعرضوا له من الأتراك، ومن الغوغاء من ناحية أخري. لذا فإنه عند انسحاب الفرنسيين كانت القاهرة خالية من أي حماية.

ونري أن ما فعله الجنرال يعقوب لا يقل عما فعله المواطن حسنين البسيوني عام 1838 , أحد مواطني الدلتا، وكان طالبا يدرس في إنجلترا، ضمن البعثة التعليمية المصرية والتي أطلق عليها بعثة الصنايع وقد رفع مذكرة بتاريخ 26 يوليو 1838 الى وزير الخارجية البريطاني يطالب فيها باستقلال بلده. وقد ربط الدكتور عبد الخالق لاشين، بينها وبين ما فعله الجنرال يعقوب بمشروعه عن الاستقلال بمصر – مهما قيل بشأنه – حلقة أخري هامة فيها. وبما أن هذه الحلقة الأخيرة كانت اللبنة الأولي في صرح محاولات ومشروعات الاستقلال المصري الذي ظل حلما يداعب جفون المصريين خلال القرنين التاسع عشر والعشرين على الرغم من تغيير القوي والظروف والأوضاع.

Exit mobile version