التفاصيل الكاملة لمحاكمة سليمان الحلبي بتهمة قتل كليبر 1-3

المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي، عاصر الحملة الفرنسية، يحكي لنا بأسلوبه المندهش ما حدث تلك المحاكمة الغريبة بعد أن تجرأ القاتل سليمان الحلبي على كبيرهم الجنرال كليبر، وهو يحكي خطوات المحاكمة خطوة بخطوة، وقد أورد الجبرتي النص كما نقله عن النسخة المترجمة التي أمرت المحكمة بإعدادها، ولم يغير الجبرتي منها شيء، وقد بدت فيها بعض الركاكة في الألفاظ. وهي بفعل المترجم، الذي لا يتقن العربية الفصيحة، وسنحاول أن نوضح خطوات المحاكمة وما يقابلها من مفردات القانون الجنائي المعروفة لدينا.
وصف الواقعة
وبحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران، في ذلك اليوم وقعت نادرة عجيبة, وهي أن ساري عسكر ( ) كليبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره في الأزبكية, فدخل عليه شخص حلبي وقصده, فأشار عليه بالرجوع , وقال له مفيش, وكررها, فلم يرجع, وأوهمه أن له حاجة, وهو مضطر في قضائها, فلما دنا منه, مد إليه يده اليسار, كأنه يريد تقبيل يده, فمد الآخر يده, فقبض عليها, وضربه بخنجر كان في يده اليمني أربع ضربات متوالية فشق بطنه وسقط إلى الأرض صارخا, فصاح رفيقه المهندس, فذهب إليه وضربه ضربات وهرب, وسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كليبر مطروحا وبه بعض الرمق, ولم يجدوا القاتل فانزعجوا, وضربوا طبلهم, وخرجوا مسرعين يفتشون عن القاتل.
التحريات وجمع المعلومات
ولم يزالوا يفتشون عن القاتل, حتى وجدوه منزويا في البستان المجاور لبيت ساري عسكر المعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم , فقبضوا عليه, فوجدوه شاميا, فأحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده, فوجدوه حلبيا واسمه سليمان, فسألوه عن محل مأواه, فأخبرهم انه يأوي ويبيت بالجامع الأزهر, فسألوه عن معارفه ورفاقه, وهل أخبر أحد بفعله, وهل شاركه أحد في رأيه, وأقره على فعله أو نهاه عن ذلك, وكم أقام بمصر من الأيام أو الشهور , وعن صنعته وملته, وعاقبوه حتي أخبرهم بحقيقة الحال, فعند ذلك علموا ببراءة المصريين من ذلك, وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة أهل البلد. وكانوا قد أرسلوا أشخاصا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات والنواحي, يتفرسون في الناس, فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك, ورأوهم يسألون الفرنسيس عن الخبر, ثم أنهم أمروا بإحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي, والشيخ احمد العريشي القاضي، وأعلموهم وعوقوهم إلى نصف الليل , وألزموهم بإحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل, لأنه أخبرهم بفعله, فركبوا وصحبتهم الأغا, وحضروا إلى الجامع الأزهر, وطلبوا الجماعة فوجدوا ثلاثة منهم , ولم يجدوا الرابع , فأخذهم الأغا وحبسهم ببيت قائمقام، بالأوزبكية, ثم أنهم رتبوا صورة محاكمته على طريقتهم في دعاوى القصاص .
تقرير الصفة التشريحية للمجني عليه
يوم الخامس والعشرين من بريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفر نساوي، نحن الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرائحي.
انتهينا من حصة ساعتين بعد الظهر إلى بيت ساري عسكر العام في الأزبكية بمدينة مصر، وكان سبب روحتنا هو أننا سمعنا دقة الطبل وغَاغِة الناس التي كانت تخبر أن ساري عسكر العام كليبر أنغدر وقُتِل، وصلنا له فوجدناه في آخر نَفَس، فحصنا جروحاته. فتحقق لنا إنه قد أنضرب بسلاح مدبب وله حد، وجروحاته كانت أربعة، منها تحت البز في الشقة اليمني، الثاني اوطي من الأول جنب السوة، الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة، الرابع في الخد اليمين.
بهذا حررنا البيان بالشرح في حضور الدفتر دار سارلتون، الذي وضع اسمه فيه كمثلنا, لجل أن يسلم البيان المذكور إلى ساري عسكر مدير الجيوش، تحريرا في سراية ساري عسكر في النهار والسنة المذكورة في الثالثة بعد الظهر، بإمضاء باش حكيم، وخط الجرايحي من أول مرتبة كازا بيانكا، والدفتر دار سارلتون، نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار جمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر، نحن الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي.
انطلبنا من الدفتر دار سارلتون إننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس، وعضو من أعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي إنغدر أيضا جنب ساري عسكر العام كليبر مدير الجيوش.
مضروب ستة أمرار بسلاح مدبب وله حد
الأول : في جنب الصدغ, الثاني: في الكف في عظمة الإصبع الخنصر، الثالث: بين الضلوع الشمالية, الخامس ( ):في الشدق الشمالي, السادس: في الصدر من الشقة الشمالية، وشق نحو الصدر، ثم إلى تأييد ذلك وضعنا أسماءنا وخطنا برفقة الدفتر دار سارلتوت، تحريرا في سراية ساري عسكر مدير الجيوش في اليوم والشهر والسنة والساعة المرقومة أعلاه بإمضاء: باش حكيم، وخط الجرايحي من أول مرتبة كازا بيانكا، والدفتر دار سارلتون.
التحقيق مع المتهم
أول فحص سليمان الحلبي نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي. في بيت ساري عسكر داماس مدبر الجيوش، واحد فسيال من ملازمين بيت ساري عسكر العام , حضر وبيده ماسك راجل من أهل البلد, مدعيا انه هذا هو الذي قتل ساري عسكر كليبر, وانعرف من الستوين بروتاين المهندس الذي ك أن مع ساري عسكر حين إنغدر لأنه أيضا أنضرب برفقته ذاته , وانجرح بعض جروحات .
ثانيا: المتهوم المذكور كان إنشاف بين جماعة ساري عسكر من حد الجيزة، ونوجد مخبي في الجنينة التي حصل فيها القتل، وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي به إنجرح ساري عسكر، وبعض حوائج أيضا بتوع المتهوم.
فحالا بدئ الفحص بحضور ساري عسكر منو الذي هو أقدم أقرانه في العسكر، وتسلم في مدينة مصر، والفحص المذكور صار بواسطة الخواجا براشويش، كاتم سر وترجم أن ساري عسكر العام، ومحرر من يد الدفتر دار سارلتون الذي أحضره ساري عسكر منو لجل ذلك المتهوم المذكور.
سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته، جاوب: أنه يسمي سليمان ولادة بر الشام، عمره أربعة وعشرين سنة، ثم صنعته كاتب عربي، وكانت سكنته في حلب، سئل: كم زمان له في مصر، جاوب: أنه بقي له خمسة أشهر، وانه حضر في قافلة وشيخها يسمي سليمان بوريجي، سئل عن ملته؟ جاوب: إنه من ملة محمد، وانه كان سابقا سكن ثلاث سنين في مصر، وثلاث سنين في مكة والمدينة، سئل : هل يعرف الوزير الأعظم، وهل من مدة شافه؟ جاوب: إنه ابن عرب، ومثله لا يعرف الوزير الأعظم، سئل عن معارفه في مصر.
جاوب: إنه لم يعرف أحدا، وأكتر قعاده في الجامع الأزهر، وجملة ناس تعرفه وأكثرهم يشهدون في مشيه الطيب.
سئل: هل راح صباح تاريخه الجيزة؟
جاوب: نعم، وإنه كان قاصد ينشبك( ) كاتب عند أحد , ولكن ما قسم .
سئل: عن الناس الذين كتب عندهم أمس.
جاوب: أن كلهم سافروا.
سئل: كيف يمكن أنه لم يعرف أحدا من الذين كان عندهم في الأيام الماضية. وكيف يكونوا كلهم سافروا؟
جاوب: إنه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم، وأنه غير ممكن أن يفتكر أسمائهم.
سئل: من هو الآخر في الذين كتب لهم؟
جاوب: إنه يسمي محمد مغربي السويسي بياع عرق سوس، وإنه ما كتب لأحد في الجيزة.
سئل ثانيا: عن سبب روحته للجيزة؟
جاوب: أنه كان قصده ينشبك كاتب.
سئل: كيف مسكوه في جنينة ساري عسكر؟
جاوب: إنه ما إنمسك في الجنينة، بل في عارض الطريق.
فذاك الوقت إنقال له إنه ما ينجيك الا الصحيح لأن عسكر الملازمين مسكوه في الجنينة، وفي المحل ذات إتوجدت السكينة، وفي الوقت إنعرضت عليه.
جاوب: صحيح إنه كان في الجنينة، ولكن ما كان مستخبى، بل قاعد، لأن الخيالة كانت ماسكة الطرق، وما كان يقدر أن يروح للمدينة، وأن ما كان عنده سكينة، ولم يعرف أن كان هذا موجود في الجنينة.
سئل: لأي سبب كان تابع ساري عسكر في الصبح؟
جاوب: إنه كان مراده فقط يشوفه.
سئل: هل يعرف حتة قماش خضرة التي بايتة مقطوعة من لبسه؟ وكانت أن وجدت في المحل الذي إنغدر فيه ساري عسكر.
جاوب: أن هذا ما هي تعلقه.
سئل أن كان تحدث مع أحد في الجيزة وفي أي محل نام؟
جاوب: إنه ما تكلم مع ناس إلا لجل مشتري بعض مصالح، وانه نام في الجيزة في جامع. وأشاروا له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه، وقيل له أن هذه الجروحات بينت إنه هو الذي غدر ساري عسكر، لن أيضا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه.
جاوب: إنه ما إنجرح إلا ساعة ما مسكوه.
سئل: هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف أو مع مماليكه؟
جاوب: إنه ما شافهم ولا كلمهم،
فلما كان المتهوم لم يصدق في جواباته, أمر ساري عسكر إنهم يضربوه حكم عوائد البلاد ( ), فحالا إنضرب لحد إنه طلب العفو, ووعد إنه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب .وانفكت له سواعده, وصار يحكي من أول وجديد, كما هو مشروح .
سئل: كم يوم في له مدينة مصر؟
جاوب: أنه له واحد وثلاثين يوما، وإنه حضر من غزة في ستة أيام على هجين.
سئل: لأي سبب حضر من غزة؟
جاوب: لأجل أن يقتل ساري عسكر العام.
سئل: من الذي أرسله لأجل أن يفعل هذا الأمر؟
جاوب: إنه أرسل من طرف أغات الينكرجية، وأنه حين رجع عساكر العثمنلي من مصر إلى بر الشام، أرسلوا إلى حلب بطلب شخص يكون قادرا على قتل ساري عسكر العام الفرنساوي، ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة أن يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم، لجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا.
سئل: من هم الذين تصدروا له في هذه المادة في بر مصر؟
جاوب: أن ما حد تصدر له، وإنه راح سكن في الجامع الأزهر، وهناك شاف السيد محمد الغزي، والسيد أحمد الوالي، والشيخ عبد الله الغزي، والسيد عبد القادر الغزي، الذين ساكنون في الجامع المذكور، فبلغهم على مراده، فهم أشاروا عليه أن يرجع عن ذلك، لأن غير ممكن أن يطلع من يده ويموت فرط، وإنه كان لازم يشخصوا واحد غيره في قضاء هذه المادة، ثم أنه كان كل يوم يتكلم معهم في الشغل المذكور، وأن أمس تاريخه، قال لهم: أنه رايح يقضي مقصوده، ويقتل ساري عسكر. وانه توجه إلى الجيزة حتى ينتظر أن كان يطلع من يده، وانه قابل النواتيه بتوع قنجة ساري عسكر، فاستخبر عليه منهم أمكان يخرج برا، فسألوه إيش طالب منه، فقال لهم: عن مقصودة يتحدث معه. فقالوا له: إنه كل ليلة ينزل في جنينته. ثم صباح تاريخه شاف ساري عسكر معديا للمقياس، وبعد ما مشي إلى المدينة فتبعه لحين غدره،
هذا الفحص صار من حضرة ساري عسكر منو، بحضور باقي سواري العساكر الكبار، وملازمين ببيت ساري عسكر العام.
ثم إنختم بإمضاء ساري عسكر منو، والدفتردار سارلتون.
في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه، ثم انقرا على المتهوم. وهو أيضا خط يده واسمه العربي بالعربي سليمان.
إمضاء:
ساري عسكر عبد الله منو. ساري عسكر داماس. الجنرال والتين. الجنرال موراند. الجنرال مارتينيه. دفتر دار البحر لوروا. الدفتر دار سارلتون. المترجم أنلوماكا. المترجم أن حنا روكه. كاتم السر. داميانوس براشويش ومترجم أن ساري عسكر العام.