البصيلي: حماية الوطن واستقراره مسئوليتنا جميعًا

قال الدكتور أحمد البصيلي، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، إن وطننا مسئوليتنا جميعاً، حمايته حماية لنا، عزه عز لنا، استقراره استقرار لنا، مصابه مصاب علينا، وطننا ليس تراباً وماءً وهواءً وشجراً وحجراً، بل هو مع ذلك قيم ومبادئ، وعادات وتقاليد حميدة، الوطن أمن وثقافة، وصحة ونظافة، علاقات وتكافل اجتماعي، وتعاون بين الأجهزة والأفراد والجماعات، وبين القيادة والشعب.

وأضاف في تصريحات لـ”مباشر 24″ أن المواطنة والوطنية، ليست كلمة تترد في الأفواه، بل هي مسئولية نحملها، وواجبات نؤديها، ومقدرات نحافظ عليها، وأن كثير من الناس يدعي الوطنية وحب الوطن والدفاع عنه، ولكنه في الخفاء يكيد لهذا الوطن وللمواطن، ليس له هم إلا نفسه وعائلته ومن يدور في فلكه، يتآمر مع أعداء الوطن للنيل منه، يتآمر لينال من كرامة بلده وسيادته، وكرامة مواطنيه وعقيدتهم وأخلاقهم.

وأكمل:”لك أن تعلم أنه لما أخرجت قريشٌ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم – من مكة بعد مضايقة شديدة منهم، وبعد تعذيب شديد، وبعد سجن طويل، وبعد تشريد ما بعده تشريد للمؤمنين الذين اتبعوا هذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم – يضحّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – بنفسه وراحته ووطنه مسقط رأسه من أجل دينه؛ فيخرج وما أن شارف نهاية مكة حتى انعطف انعطافة لهذا البلد الحبيب، انحنى انحناءة تُنبئ عن محبة لوطنه وعن ذكرياته التي قضاها في هذا الوطن حلوها ومرها؛ يلتفت إليها فيقول  مودعاً : والله إنك لأحب البقاع إلى قلبي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت”.

وتابع:”إنه حبه لوطنه، حب الوطن إيمان، وبغضه والتآمر عليه نفاق، لقد أوجب الشرع على كل متجسس وخائن للوطن عقوبة شرعية، ينالها أمام القضاء، وتنفذ أمام الملأ من أجل زجر من تسول له نفسه أن يتآمر على الوطن، وأن يتآمر على مواطنيه، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم يودع هذا الوطن، الغالي على قلبه، على أمل أن يرجع إليه فاتحاً بإذن الله تعالى، وبعد أن خرج منها يعود إليها مطأطأ رأسه فرحاً بعزة الله تعالى ونصره له، ومع هذا لم يعاقب من طرده، ومن هجره، ومن آذاه ومن ظلمه، ومن تآمر عليه، بل قال للناس : اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

وأستطرد: لم يتآمر على بنى وطنه، ولم يعذبهم ولم يسجنهم ولم يعاقبهم بعقوبات جماعية، هذا هو الحاكم الرؤوف الرحيم، الذي يريد لشعبه العز، والأمان، والاستقرار، هنالك من يريد اليوم لوطننا التشرذم والاقتتال، والتمزق والفتن، والتقطع في الطرقات، والسلب والنهب، وقطع الخدمات، وإقلاق السكينة العامة، بعد أن بدأ الناس يستقرون ويشعرون بالأمن، وعودة الخدمات تدريجياً.

وأكد على إن من يقوم بهذه الأعمال المشينة هم أعداء الوطن والمواطن، حتى ولو بلغوا أرفع المناصب عالميا.

وطني أحبك لا بديل  ***   أتريد من قولي دليل

سيظل حبك في دمي  ***   لا لن أحيد ولن أميل

سيظل ذكرك في فمي ***    ووصيتي في كل جيل

حب الوطن ليس ادعاء ***  حب الوطن عمل ثقيل

ودليل حبك يا بلادي ***   يشهد به الزمن الطويل

فأنا أجاهد صابراً   ***     لأحقق الهدف النبيل.

وأشار إلى أنه لقد أيقنّا وأيقن العالم باختلاف أعرافه وطوائفه أن الأمن الوطني لا يتحقق إلا بوجود الأمن الفكري، وذلك بحماية الأجيال الناشئة، وشباب الأمة، وتحصين أفكارهم، من التيارات المشبوهة التي تسمم العقول، وتحرف السلوك من دعوات التغريب، ودعايات الفساد والإفساد.

وأكد على إن حب الوطن فطرة رفع من شأنها الإسلام ، لذلك اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام يكون قتاله فرض عين على كل مسلم، وقد قال أهل الأدب : ” إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه ، وتشوقه إلى إخوانه ، وبكاؤه على ما مضى من زمانه.

ويرى البصيلي أن من صور حنين الإنسان إلى بلده، أنه إذا غاب عنها وقدم عليه شخص منها سأله عنها، يتلمس أخبارها ، فهذا نبينا محمدصلى الله عليه وسلم يسأل “أُصيل الغفاري” عن مكة لما قدم عليه المدينة ، فقد أخرج الأزرقي في ” أخبار مكة ” عن ابن شهاب قال : قدم أصيل الغفاري قبل أن يُضرب الحجاب على أزواج النبي، فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له : يا أصيل كيف عهدت مكة ؟ قال : عهدتها قد أخصبَ جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي، فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له : ( يا أصيل كيف عهدت مكة ؟ ) قال : والله عهدتها قد أخصب جنابها ، وابيضت بطحاؤها ، وأغدق اذخرها، فقال : ( حسبك يا أصيل لا تحزنا).