«ادعى أن المقبرة تم اقتحامها».. تفاصيل صدام كارتر مع الحكومة المصرية على مقبرة توت عنخ آمون

تحدث الدكتور شريف شعبان عن صدام كارتر مكتشف مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون مع الحكومة المصري’

يقول شريف شعبان:” كانت الأحوال السياسية في الشارع المصري تنذر بتطور كبير نتاج ما حدث من انفجار عظيم خلال ثورة 1919، فقد شعر المصريون وللمرة الأولى بأنهم مسؤولون عن تقرير مصيرهم، وتعالت النعرة القومية المصرية، جسَّدها شعار الثورة “مصر للمصريين”. وخلال عام 1922، تم رفع الوصاية البريطانية على مصر، والتي قد فرضتها إبان الحرب العالمية الأولى، ومعها نالت مصر استقلالها الرسمي عن التاج البريطاني وانفصلت تمامًا عن بقايا الدولة العثمانية، لتكون المملكة المصرية ذات دستور جديد يشكل شخصية مصر في العام التالي.

ويضيف:” امتد تأثير تلك الثورة إلى حقل الآثار، حين شعر المصريون بمدى ارتباطهم بتاريخهم القديم مع اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون الذي جاء بمثابة سهم انطلق للغوص في تاريخ مصر القديمة وما يحمله من مجد غابر، في محاولة استخراج الشخصية المصرية الأصيلة وإحياء تلك القومية الموغِلة في القدم. وجسَّدت المقبرة ذروة الصدام بين المحتل الإنجليزي-الفرنسي من جهة، والنزعة الوطنية ممثلة في روح الثورة المصرية وحكومة سعد باشا زغلول من جهة أخرى، حيث كانت إدارة المقبرة بشكل خاص والآثار المصرية بشكل عام من وجهة نظر المصريين حق أصيل ضمن استرداد ماضيهم، بينما وجد كارتر وعصبته أنه هو فقط صاحب الحق والملكية في إرث وضع يده عليه.

ويواصل:” بدأ الصدام بين الحكومة وكارتر في موسم عام 1923-1924 عندما أصدر وزير الأشغال العمومية عبد الحميد سليمان باشا عدة أوامر لكارتر، أولها تقديم قائمة بكل أسماء العاملين في فريق عمل كارتر، بينما يُمنع دخول أي شخص آخر إلا بتصريح. وطلب إيقاف العمل بالمقبرة لبعض الوقت وتسليم مفاتيحها لمدير مصلحة الآثار كي يسمح لمختلف الزيارات من المصريين حملة التصاريح برؤية المقبرة بعدما كان يفضل الإنجليز على المصريين لزيارتها، وأن يوزع على مراسلي الصحف المختلفة نشرة يومية ملخصة لعمله يعرض فيها ما يتم يوميًّا من عمليات تنظيف وترقيم لمحتويات المقبرة. وجاء هذا تماشيًا لعدة شكاوى انهالت على ديوان الوزارة على رأسها ما تقدم به أ. برادستريت مراسل جريدة نيويورك تايمز في الأقصر، بعدما قصر كارتر عملية النشر الحصري وأخبار الكشف وصور المقبرة على مراسل جريدة لندن تايمز آرثر ميرتون. وكان كارتر يتعامل مع المقبرة باعتبارها ملكية شخصية وهو المسؤول الأوحد عنها يسمح بدخولها ويمنع من دخولها حسب ما يرى هو لا حسب قواعد مصلحة الآثار.

ويتابع:” وجد كارتر أن هذا القرار الحكومي المصري ما هو إلا عملية تعطيل لأطماعه ومحاولة سلب حق مكتسب له؛ فلم ينفذ القرار، بل سافر إلى القاهرة ليناقش تفاصيله مع الوزير نفسه بحضور بيير لاكو مدير مصلحة الآثار. وكعادته دخل في نقاش حاد مع الوزير أدى إلى وصولهما إلى طريق مسدود، لكنه سرعان ما رضخ لقرارات الحكومة المصرية وسمح لبقية المراسلين بتغطية أخبار الكشف اليومية.

ولم يقف الصدام بين الإنجليزي والمصريين عند ذلك الحد، لكن تطورًا حدث في العلاقة بينهما حين نصَّب الوزير نفسه مشرفًا مباشرًا على كل أعمال الحفائر والاكتشاف داخل المقبرة، ووضع يد مصلحة الآثار على كافة محتوياتها باعتبارها ملكية مصرية، ورفض حصول كارتر على أي من تلك المقتنيات على عكس التصريح الذي حصل عليه نيابة عن اللورد كارنرفون إبان عهد ماسبيرو عام 1915، حيث كان التصريح ينص على أن “محتويات المقابر الكاملة والتي لم تُمس من قبل تُنقل كاملة إلى المتحف المصري بالتحرير، بينما عند اكتشاف مقابر تعرضت للسرقة تحتفظ مصلحة الآثار بالمومياوات والقطع ذات الأهمية ويقسم الباقي مع صاحب الاكتشاف”.

ويؤكد:” من هذه النقطة حاول كارتر المراوغة بادعاء أن المقبرة تم اقتحامها إبان عصر ما بعد توت، وبالتالي لا ينطبق هذا الشرط على اكتشافه ويحق له الحصول على كل محتوياتها كيفما يشاء. لكن وزير الأشغال ضرب برأيه عرض الحائط وأوقف تصريحه. فما كان من كارتر إلا أن زاد من ثورته وقرر مقاضاة الوزير نفسه في المحاكم المختلطة، خصوصًا وأنه قد استعان بمتخصصين من متحف المتروبوليتان ضمن فريقه دون مقابل مادي طمعًا في حصول المتحف على بعض من قطع المقبرة الثمينة، وحوَّل كارتر الإشكالية إلى صراع علمي أقحم فيه المجتمع العلمي الغربي كي يتخذ قرارات حاسمة، ووقف ما اعتبره التدخل الحكومي السافر في بحثه العلمي.

ويختتم:” حينها انبرى أربعة من أكبر علماء الآثار في العالم والذين شاركوا كارتر فريقه البحثي وهم بيرسي نيوبيري ممثلًا عن العاملين بالمتحف المصري، وجيمس هنري برستد ممثلًا عن معهد الشرقيات بشيكاغو، والسير آلان جاردنر وألبرت لايثجو A. Laythgoe ممثلان عن متحف المتروبوليتان، بتوقيع عريضة مفتوحة أمام العالم كله يدعمون فيها موقف كارتر، ويثمِّنون مجهوده العلمي في مواجهة “فساد الحكومة المصرية وقراراتها التي تعرقل العمل في المقبرة ووقف إنجازاته بها”. وكان الغرض الأساسي لتلك العريضة هي شحن كارتر لإنجلترا وحلفائها ضد لاكو الفرنسي، لكنه لم يكن يعرف أن النتيجة جاءت عكسية.