“أهم القبائل العربية”.. كيف تشكلت أول جمهورية برئاسة شيخ العرب همام؟

قال الكاتب حمدى البطران في كتابه”حكايات عابرة” تعد قبيلة هوارة هي أول قبيلة عربية تعلن استقلال الصعيد أو الحكم الذاتي بلغة السياسة الحالية، تعتبر قبيلة الهوارة أهم القبائل البدوية المستقرة والمتحضرة في الصعيد، وقد كانت الهوارة أقوي القبائل العربية في الصعيد بأساً، وأكثرهم عدداً وقدرة على العمل السياسي تحت زعامة رجل قوي.

وأضاف الكاتب، أنه في عام 1301 قامت ثورة في مدينتي منفلوط وأسيوط، وقام عرب الصعيد فيها بتعطيل جمع الأموال وفرضوا ضرائب على أرباب الحرف، واحتقروا الحكام، وسموا زعمائهم بأسماء مملوكية (بيبرس وسلار)، وقد أدرك المماليك خطورة الثورة فأرسلوا جنودهم لمحاربة الثورة، وانتصروا على المتمردين وجردوهم من أملاكهم، وفي عام 1353 قامت قبيلة عرك بالصعيد وشيخها ابن الأحدب , وكان هدفها السيطرة على بلاد الصعيد.

وأشار إلى أنه في العهد العثماني فرض الهوارة نفوذهم على الصعيد، وتولي شيوخهم الحكم في البداية، وبعدها تولوا إدارة معظم أراضي الصعيد بالالتزام، مما جعل لهم نفوذا، وسيطرة كبيرة في ظل السيادة العثمانية، وقد صحب زيادة نفوذ الهوارة توسيع إقليم جرجا وتوحيد أقاليم الصعيد كلها من المنيا إلى أسوان تحت أمرة حاكم جرجا، وأصبحت ولاية جرجا تشمل أراضي الصعيد كلها.

وكان هذا برغبة السلطات الحاكمة. لتدعيم حاكم جرجا لمواجهة خطر القبائل المنتشرة بالصعيد , وكان الهوارة دائما يرجحون الكفة التي ينضمون إليها بين الحكام المتنافسين، وفي عام 1183 هجرية , 1769ميلادية نصبت قبيلة الهوارة شيخها شيخ العرب همام بن يوسف الهواري سلطانا مستقلا في صعيد مصر حتى المنيا، وبذلك كان أول حاكم مستقل للصعيد.

بدأ شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف الهواري حكمة في ولاية جرجا وظل يتوسع شمالا حتى وصل إلى حدود المنيا، وقد تمكن همام من فرض سطوته على كل بلاد الصعيد بفضل قوة شخصيته وكرمه وعدله، واهتمامه براحة الأهالي، وأمنهم على اختلاف أديانهم، بحيث أصبح مصدر السلطة الوحيدة المستقرة في صعيد مصر.

وقد رسم الرحالة الذين زاروا مصر في تلك الفترة صورة مشرقة لشيخ العرب همام، واتفقت آراءهم حوله سواء الفرنسيين أو غيرهم من الجنسيات على أنه الحاكم الفعلي للصعيد، وصفه نوردوم بالكرم وقال إنه من خيرة رجال العرب، بينما وصفه الرحالة البريطاني بروس بالقوة والشجاعة والحكمة وقوة الشخصية، فقد حرم على سكان فرشوط شرب الخمر والدخان، وبلغ درجة كبيرة من النفوذ والسلطان حتى أن بكوات القاهرة شعروا بالغيرة منه فأرسل على بك الكبير قوة للقضاء عليه.

وقد تحدث كتاب وصف مصر الذي كتبه الفرنسيون فيما بعد عن شيخ العرب همام في الجزء الحادي عشر بعنوان قاهرة المماليك الذي كتبه دالابورت عضو لجنة العلوم والفنون المصرية. وقد جاء ذكر شيخ العرب في معرض ترجمة سيرة على بك الكبير ومحمد أبو الدهب باعتبارهما من كبار الحكام المماليك، وجاء في الكتاب:

-“في نفس الوقت أظهر محمد أبو الدهب بعض الطموح مما أدخل الشك في نفس على بك الكبير, فأرسله ضد شيخ الإعراب حمام الذي كان يسيطر على منطقة مصر العليا كلها لكي يلهيه ويبعده. وكان هذا الشيخ مرهوب الجانب , سواء لعدد المحاربين الذين يطيعون أوامره أو لروحه العظيمة السمحة التي جعلته يأوي أولئك الذين هربوا من اضطرابات العاصمة, مما جعل حزبه ينمو أكثر فأكثر, وهاجم محمد أبو الدهب “الشيخ ” يصاحبه كالعادة حظه الوافر فقتله, وبهذا النصر منح لسيده القدرة على السيطرة على مصر العليا .

وفي موضع آخر من نفس الكتاب تحدث علماء الحملة الفرنسية عن شيخ العرب همام , عندما تعرضوا للزراعة في مصر، قد جاء موسوعة وصف مصر أنه: إذا كان لنا أن نحكم على إدارة الشيخ همام من واقع السمعة التي تركها لنا خلفه, فيمكننا القول أن مصر العليا كانت تنعم بالسعادة في عهد حكومته, فجميع السكان المصريين, الأثرياء هناك, والفقراء, مسلميهم وأقباطهم يقدسون ذكراه, وليس هناك من لا يتحدث عنه, مع تعبير بالأسف على الأمن الذي أقامه والعناية التي بذلها لصيانة الترع والجسور , وعلى ازدهار الزراعة في عهده , وإذا كانت تشوب بعض هذه القصص بعض المبالغات, فإن هذه الشهادات المتحمسة تبرهن على الأقل أن الشيخ همام قد صنع بعض الخير للبلد الذي حكمه, ومن هذه الزاوية فإن ذكري إسمه ستظل باقية لوقت طويل .

ومن جهة أخري فقد كان للنفوذ الذي مارسه الشيخ همام على المناطق الأكثر مدارية (الصعيد الأقصى) من مصر قد سحب من كل القبائل العربية التي تحتل الطرف الأقصى من وادي النيل تلك السطوة التي كانت لها على الفلاحين أجزاء أخري من مصر , بفضل تأثير النظام الذي أقامته حكومته هناك والذي.

أن الصعيد الذي تعاقب على حكمه بكوات هاربون كان يشغلهم أمر تدبير أمورهم , لم يلق أي إصلاح على يد هؤلاء , وهكذا ظل أبناء الريف هناك يعيشون في أقصي حالة من الضنك , فالقرى مكونة من أكواخ من الطين , تحيط بها خرائب تعلن تناقص عدد السكان , ويعيش هؤلاء كما سبق القول وهم لا يعملون لجزء من السنة في أعمال الري الشاقة على خبز الذرة وبعض الخضروات , وليس لهم من أثاثا إلا عدد ضئيل من الآنية الفخارية وبعض الواني الفقيرة ولا يجدون إلا بشق النفس وسيلة لتجديدها من حاصل عملهم هذا أن تبق لهم شيء منه بعد دفع الضرائب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى