“أسند إليه جمع 12 مليون فرنك وكون جيش من الأقباط”.. حكاية الجنرال يعقوب مع كليبر 1-2

شخصية تاريخية مصرية، ثار حولها الكثير من الجدل كثير، سبب الجدل الذي يحيط بشخصية يعقوب، هو تعاونه مع الاحتلال الفرنسي والذي استوقف عدداً كبيراً من المؤرخين، فالبعض يراه خيانة لا تقبل التأويل والتبرير، بينما يرى البعض الآخر أنه سياسي بطل حاول مقاومة العثمانيين بالتعاون مع الفرنسيين، وهناك رأي آخر يري أنه كان يحاول الدفاع عن الأقباط، في وجه الأتراك العثمانيين الذي صبوا غضبهم على الأقباط، بعد انهزام الفرنسيين.

وبحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران، ما بين تلك الآراء، يقف التاريخ على الحياد في سرد الوقائع، ثم يعطي حكمه بناءاً على عقيدة وثقافة القارئ، شخصية المعلم يعقوب حنا، أو الجنرال يعقوب حنا، يتوقف أمامها التاريخ لسرد ملابسات أحداثها ومكونات شخصياتها.

اسمه يعقوب حنا، نشأة تقليدية، كأي مصري، حيث يبدأ هؤلاء في مرحلة الطفولة في الدراسة في” الكتاب” القبطي، الذي لا يختلف في الحقيقة عن مثيله الإسلامي إلا في اهتمام الأقباط بتعليم قواعد الحساب، وأيضا تعليم مبادئ الكتاب المقدس، وبهد ذلك يلتحق هؤلاء بخدمة المباشرين والكتبة، ليبدأ بعد ذلك التدريب الحقيقي على كيفية حساب وجباية الضرائب الزراعية، لا سيما وان تلك الحسابات كانت تتم وفقا للتقويم القبطي لارتباطه في التراث المصري القديم بتنظيم الدورة الزراعية، وفي إطار تلك الخلفية نشأ يعقوب المصري.

ولد يعقوب حنا، بمركز ملوي محافظة المنيا عام 1745م لأسرة قبطية ميسورة الحال، تلقى تعليم القراءة والكتابة والحساب بإحدى المكتبات القبطية داخل الكنيسة، ثم عمل كبير المساعدين لبعض أبناء طائفته العاملين بجمع الأموال والضرائب والحسابات، حتى تعلم حرفتهم.

دفعه أبوه إلى أحد أقاربه المشتغلين بجباية الضرائب لدي المماليك، وكان أسمه سليمان أغا الإنكشارية، فتعلم جباية الضرائب، وركوب الخيل، وفنون القتال، وعهد إليه سيده سليمان، بكل الأمور المالية وقربه منه، ولما استقرت أمور يعقوب، تزوج من قبطية هي مختارة الطويل، وهي ابنة عمه، وكانت تقيم بملوي، غير أنها ماتت بالطاعون، وتزوج بعدها من فتاه سورية، هي مريم نعمة الله البابونجي عام 1792.

وعقد عليها أمام البطريرك يؤانس الثامن عشر. وهو العقد الذي قدم أمام قاضي المصالحات في فرنسا عام 1818, بمناسبة أثبات وفاة المعلم يعقوب , وحصر تركته , والمستحقين فيها ,بشهادة شقيقتي يعقوب , وبعض أصدقاء الأسر.

 

أحب يعقوب حنا المماليك وزعمائهم، لأنه كان مديناً لهم بالفضل، لدرجة أنه قاتل معهم جيوش حسن باشا القادمة من الآستانة عام 1786 لتثبيت دعائم الحكم العثماني بمصر.

ومع أن المماليك ومعهم العثمانيين، منعوا الأقباط من ركوب الخيل، واستعمال السيوف، أو الالتحاق بالجنود، عند قدوم الحملة الفرنسية كان يعقوب حنا قد بلغ من الغِنى مبلغاً كبيرا.

تعرف على الحملة الفرنسية والفرنسيين عن طريق المعلم جرجس الجوهري، أحد كبار المباشرين الأقباط في عهد نابليون بونابرت، غير أن المعلم جرجس رفض المغادرة مع الفرنسيين بعد انتهاء الحملة، بينما سافر يعقوب مع الحملة،

عاصر الحملة الفرنسية على مصر، وتعرف على الجنرال ديزيية، اثناء غزوه للصعيد متعقبا المماليك، ومن ثَم قام بتشكيل كتيبة من شباب الأقباط، انضمت للفرنسيين، وكان هدفه الدفاع عن الأقباط، ضد هجمات الأتراك، التي تزايدت ضدهم. وعندما رحل الفرنسيون عن مصر، قرر أن يرحل معهم.

أثار الجنرال يعقوب الجدل، بانضمامه إلى جيش الفرنسيين. واعتبره البعض خائنا لبلده، بينما اعتبره البعض الآخر وطنيا مخلصا، أياً كان الأمر، فإن الجنرال يعقوب من خلال ما أبداه من أفكار، أملاها على الفارس لاسكاريس، أثناء وجوده على ظهر الباخرة التي أقلت الجيش الفرنسي إلى فرنسا، وهي الأفكار التي صاغها الأخير باعتبارها مشروعا وطنيا.

وقد تحدث عن هذ الموضوع باستفاضة الدكتور محمد شفيق غربال في كتابه الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر في سنة1801م.

عندما دخل نابليون بونابرت القاهرة، واستقر له الأمر، وفد عليه المعلم جرجس الجوهري، وكان عميدا للأقباط في ذلك الوقت، وكان معه المعلم يعقوب، وعدد من الأقباط منهم: سدره الشماع , وبانوب الجيزاوي , وجرجس صرابمون , وملطي صاروبيم , ويوحنا الصولي .

فقام بونابرت بتعيينهم رؤساء للمالية في الأقاليم، عدا المعلم يعقوب، والذي أحتفظ به بونابرت، لما يمتاز به من صفات جسدية قوية، وألحقه بخدمة الجنرال ديزييه. في ذلك الوقت كان الجنرال ديزيية، يجهز جيشا لمطاردة المماليك في الصعيد، وكان ديزييه بحاجة إلى رجل تجتمع في شخصه الصفات الإدارية والصفات العسكرية. بالإضافة إلى خبرته ببلاد الصعيد، التي ستمضي فيها الحملة عند مطاردتها لفلول المماليك.

توافرت كل تلك الصفات في المعلم يعقوب , وعينه ديزييه مديرا عاما لجيشه المتجه إلى الصعيد , عن طريق الفيوم , فيما أتجه جيش الجنرال بليار إلى الصعيد من الجيزة متتبعا مجري النيل.

كانت الجيوش الفرنسية تحصل على مئونتها من طريق نهب القرى التي تمر بها، فكان القائد الفرنسي يعسكر بالقرب من القرية، ثم يطلب في إحضار شيوخ القرية، ويطلب منهم تدبير القمح والذبائح وكافة متطلبات الجيوش، وأيضا التبن والذرة والبرسيم للخيول.

وحدث أن الجنرال بليار وهو طريقة إلى الصعيد. والذي سبق جيش ديزييه إلى الصعيد، أن طلب من شيوخ أحدي القرى التابعة لبني سويف، المواد اللازمة للجيش، وتأخر شيوخ القرية في جلب الأصناف التي طلبها بليار، فما كان من بليار إلا أن قبض على المشايخ وأحتجزهم رهينة في المعسكر. ولما علم المعلم يعقوب، وكان مع الجنرال ديزييه بالأمر، نصح بليار باستعمال اللين في جلب الإتاوات، والكف عن إرهاق الأهالي، وإخلاء سبيل المشايخ المحتجزين، وبعدها جاء المشايخ بالإتاوات، وأصبح المعلم يعقوب، عماداً ومستشاراً للحملة المتجهة إلى الصعيد.

بعد أن أخضع الجنرال ديزييه الصعيد قفل عائد إلى الشمال، بعد أن ترك حاميات في الصعيد، وشكا إلى الجنرال يعقوب من انقطاع سبل الاتصال بين الحاميات والجيش الرئيسي، وعلى الفور قام الجنرال يعقوب بتكوين فرقة من الهجانة تكون مهمتها توصيل البريد إلى الحاميات وتوفير سيل الاتصال بها.

وبعد أن سافر نابليون، ترك للجنرال كليبر إدارة الحملة، وكان ديزييه قد عاد من الصعيد، وأكتشف مواهب المعلم يعقوب، وقام ديزييه بتزكية يعقوب لدي الجنرال كليبر، فقرر كليبر الاستفادة من المعلم يعقوب في النواحي المالية والإدارية، والتي كان الجنرال كليبر يزمع تنظيمها.

أتخذ يعقوب من منزل البارودي مقرا لإدارته الجديدة , وعندما انتصر كليبر على الأتراك في 30 مارس 1800 , وأخمد الثورة التي اندلعت في القاهرة , قام كليبر بفرض مبلغ 12 مليون فرنك كغرامة على أبناء القاهرة , وكلف المعلم يعقوب بجمعها من الأهالي  .

كان المعلم يعقوب بعيد النظر، لأجل هذا فكر في إنشاء جيش من الأقباط يمكن الاعتماد عليه في أوقات الشدة، وأثناء وجوده مع الجنرال ديزييه، عرض عليه الفكرة، وبدوره عرض ديزييه الفكرة على قواده، وأعجبتهم فوافقوا عليها.

ويري المؤرخ القبطي منسي يوحنا أنه بعد قتل الجنرال كليبر , وإسناد قيادة الحملة الفرنسية إلى الجنرال مينو , رأي يعقوب سوء تدبير مينو وقلة حيلته , فاتفق معه على تشكيل جيش للأقباط, وتم تجنيد ألفين منهم, وقام الفرنسيون بتدريبهم على حمل السلاح, والحركات العسكرية والانضباط والطاعة, وتم إسناد راسة الفرقة القبطية إلى الجنرال يعقوب, غير أن أهالي المجندين, وأقاربهم لم يتعودوا على هذا النوع من الخدمة الوطنية, وعز عليهم ابتعاد أولادهم وأبناهم في ظروف حرب, فتوجهوا إلى الأنبا مرقص بطريرك الأقباط الأرثوذكس, ليتوسط لدي الجنرال يعقوب لترك أبناءهم , وعدم إجبارهم على السفر, ولما كانت علاقة يعقوب بالبطريرك يشوبها الانحراف , بسبب زواج يعقوب بفتاة سورية , لا تدين بالمذهب القبطي , بعد وفاة زوجته الأولي , ومخالفة يعقوب لأبناء وطنه في الزى والتصرفات, فرفض يعقوب طلب البطريك, وقام بتشييد قلعة سميت باسم قلعة يعقوب, وعندما جاء الأتراك بعد ثورة القاهرة , قام الجنرال بتجميع الأقباط في الأزبكية, وقام بهدم بعض المنازل, وشيد بأنقاضها سورا عاليا حول منازل الأقباط , وكان السور مانعا للأقباط من هجمات الأتراك والغوغاء .

يصف المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، اهتمام يعقوب بتحصين القاهرة عندما سمع باقتراب العثمانيين. فبقول في حوادث محرم سنة 1216فيقول ” وتوكل رجل قبطي يقال له عبد الله، من طرف يعقوب بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس، فتعدي على بعض الأعيان وأنزلهم من على دوابهم، وعنف وضرب بعض الناس حتى اسال دمه، فتشكي الناس من ذلك القبطي، وانهوا شكواهم الى بليار قائم مقام، فامر بالقبض على ذلك القبطي وحبسه في القلعة، ثم فردوا على كل حارة رجلين “.