“أحبها نابليون”.. نساء مصريات في الحملة الفرنسية 2-3

يواصل موقع”مباشر 24″ سرد تفاصيل دور المرأة المصرية أثناء الحملة الفرنسية، وكيف أفتتن أعضاء الحملة بالسيدات المصريات، بحسب ما جاء في كتاب “حكايات عابرة” للكاتب حمدى البطران..

فعندما استقر الأمر لنابليون بونابرت في مصر، بدأت رغبته تلح عليه، وعلى الفور قدم له حراسه ست فتيات مصريات، وجدهن بونابرت بدينات، كما كانت لهن رائحة لم تعجب بونابرت، كانت زوجته جوزفين التي تركها في باريس نحيلة، وتتقن فنون استخدام العطور التي اشتهرت بها باريس منذ أقدم العصور، اختار نابليون أقل الفتيات وزنا وأطولهن، كانت زينب بنت الشيخ البكري.

وتوصف زينب البكري بأنها كانت النسخة المصرية من جوزفين‏ زوجته، كان لزينب جسد ممشوق، ولون يميل إلى السمرة، وحياء في لون القمح يشتعل في الظلام من شدة الأنوثة‏..‏ وهي تحمل إيمانا تاريخيا بأن الرجل هو الفرعون المقدس الذي تمنحه المرأة الطاعة العمياء حتى في المعصية.

كان نابليون يهوي الأجساد الفارعة والأطراف الدقيقة. وكانت زينب أجمل فتيات مصر وأنظفهن، وأكثر إعتناءا بأنوثتها.

وقد أغمض الشيخ البكري عينيه وسد أذنيه وراح وهو يحتسي البراندي والبر جندي الفرنسي كل ليلة يحلم بأن يصبح حما السلطان الكبير نابليون‏.، ولم يذكر الجبرتي أنها كانت عشيقة لنابليون، ولكنها الشائعات التي ربطت بينها وبين نابليون لصلة والدها الشيخ خليل البكري به، وكان ذنبها أنها تبرجت حسب أقوال الجبرتي، ولبست الفستانات والمناديل الملونة والطرح الكشمير، وخالطت المجتمع الفرنسي ، غير أنه بعد جلاء قوات الحملة الفرنسية بدأت عملية معاقبة النسوة ومنهن ابنه الشيخ البكري. ويقول الجبرتي:

“وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه طلبت أبنه الشيخ البكري بمعنيين من طرف الوزير، وكانت ممن تبرجن مع الفرنسيين، فحضروا إلى دار أمها بالجو درية بعد المغرب، وأحضروها ووالدها، فسألوها عما كانت تفعله، فقالت إني تبت من ذلك، فقالوا لوالدها ما تقول أنت؟ فقال: أقول إني برئ منها، فكسروا رقبتها “.

ربما كان السبب في مأساة زينب البكري والدها , فقد خالط الشيخ خليل البكري الفرنسيين , وإندمج معهم في الشراب , وقد عينه نابليون بونابرت نقيبا للأشراف بعد فرار الشيخ عمر مكرم مع المماليك إلى الشام , وكان الشيخ خليل البكري محبا للشراب , وكان شرابه المفضل مزيجا من الكونياك والنبيذ البورجيني المعتق , وكان يشربه حتي الغيبوبة , وكان يرتبط مع بونابرت شانه في ذلك شان الشيخ السادات والشيخ عبد الله الشرقاوي ,واهدي نابليون بونابرت مملوكه الخاص والأثير لدية رستم زادة , وقد لزم هذا المملوك بونابرت حتي منفاه الأخير في سانت هيلانة .

لم تكن زينب البكري في مثل أنوثة وثقافة جوزفين، فقد كانت جوزفين قد خلبت لب نابليون بثقافتها المتعددة وقدرتها على جذب انتباهه، لذا فقد نابليون سئم من زينب بسرعة، لأنها لم تكن تتكلم بلغته، كما أنها كانت تجهل لصغر سنها فنون الإغراء لرجل أكبر منها في السن والخبرة والثقافة، فضلا عنه رجل مجرب ويجيد الافتتان بالنساء. كان نابليون يتوق إلى فرنسية، ووجد ضالته في الحسناء بولين فورية زوجة الملازم فورييه التي تمكنت من الهرب مع زوجها التي شاهدها أثناء الحفل الذي دعا إليه نابليون بمناسبة تطيير البالون الفاشل الذي خيب ظن الجبرتي.

كانت عينا مدام فورييه زرقاوان، ولها شعر كستنائي أصفر يغطي كل ظهرها، وعلى الفور أصدر بونابرت أمر لزوجها الملازم فورييه بأن يقوم بتوصيل البريد إلى مالطا وباريس وان يمكث في باريس عشرة أيام كاملة، وبعدها يعود إلى مصر، ونفذ الملازم فورييه الأمر.

وخلا الجو لنابليون مع عشيقته الجديدة. ودعاها إلى حفل راقص في ” التيفولي “. وتوطدت صلته بها، وأسكنها قصرا بجواره في الأزبكية، وسميت بولين كليوباترا الجديدة.

ولكن الحظ وقف لنابليون بالمرصاد، فقد تمكن قبطان أحدي السفن الإنجليزية من أسر الملازم فورييه، ويبدو أن القبطان الإنجليزي كان يعلم ما بين زوجة فوريه ونابليون، فأطلق سراحه على الفور وأعاده إلى الإسكندرية، وعندما وصل إلى القاهرة وجد زوجته بجوار نابليون، فطلقها.

أما نابليون فقد وعد عشيقته بان يتزوجها بعد أن يطلق زوجته جوزفين حالما يصل إلى باريس، وأصبحت بولين بعد طلاقها العشيقة الشرعية لنابليون.

ولكن الحظ لم يوافق نابليون، فسرعان ما سافر إلى عكا، ولم يصطحب معه بولين، وحاصر الأسطول الإنجليزي الفرنسيين فمنع عنهم الإمدادات، وتفشي الطاعون في جنوده، وعاد منهزما، وبدأت تركيا ترسل رجالها لإخراجه من مصر.

عادت بولين إلى فرنسا عام 1800, ورفض بونابرت مقابلتها، وتزوجت ضابط فرنسي كان يعمل في الجيش التركي، وتمكنت من الحصول له على وظيفة قنصلية في أسبانيا والسويد، وسميت باسم مدام دورانشو على اسم زوجها الجديد، واحترفت الكتابة والرسم، وسرعان ما تركت زوجها الثاني ورحلت مع ثالث إلى البرازيل.

لم تكن زينب البكري وحدها هي التي تبرجت , وربما نلتمس لها العذر, فهي كانت وقتها فتاة صغيرة لم تتعدي الستة عشرة عاما , فقد كانت هناك امرأة أخري اسمها هوي كانت متزوجة من المملوك إسماعيل الكاشف المعروف بالشامي , , فلما جاء الفرنسيين تبرجت مع المتبرجات , تعرفت على فرنسي اسمه نقولا وأقامت معه , وتخلت عن زوجها المملوك , وعندما بدأت بوادر انهزام المصريين امام الأتراك , وعرفت هوي انه من الممكن أن ينتقم العثمانيين منها , تركت خليلها الفرنسي , نزلت من القلعة ممتطية حمار ومتاعها على حمار آخر , فنزلت عند العطف , وأعطت المكارية اجرتهم وصرفتهم , واختفت بمصر , وقد روي لنا الجبرتي قصة هروبها والبحث عنها , ويقول أن الفرنسيين احضروا حكام الشرطة وطالبوهم بالبحث عنها , وألزموهم بإحضارها لخليلها نقولا والذي يبدو انه كان ذو حيثية في الجيش الفرنسي .

وقبض الفرنسيون على المكارية , فقالوا : لا نعلم غير المكان الذي أنزلناها فيه , وشددوا على المكارية ومنعوهم من العمل , وقبضوا أهالي حارة العطف وحبسوهم , وأحضروا مشايخ الحارات وشددوا عليهم وعلي سكان الدور , وأعلموهم أن وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا عنها نهبوا جميع دور الحارة وعاقبوا سكانها , وحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب اختفائها , وكان أحد أصحاب الشرطة واسمه  عبدا لعال أكثرهم حماسا , فكان يلبس ملابس النساء ويدخل البيوت بغرض التفتيش عليها , فيزعج أرباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح ومصاغا ويفعل ما لا خير فيه ولا يخشي خالقا ولا مخلوقا .

وفشلت الشرطة الفرنسية في العثور عليها. ولما جاء العثمانيون بعد أسابيع كان معهم إسماعيل الكاشف زوج هوي، وتمكن من الاهتداء إلى مكانها، وهدا من روعها وطمأنها، واستدرجها بالحيلة إلى منزله وأقامت معه أياما، واستأذن بعد الوزير العثماني في قتلها، وخنقها في نفس اليوم الذي قتلت فيه زينب البكرية، وخنق معها جاريته البيضاء التي كان قد أنجب منها.