«آل كابوني ومذبحة عيد الحب».. السيرة الكاملة لأشهر عائلات المافيا

الكثير من الأفلام التي تناولت قصة آل كابوني أشهر عائلات المافيا، وهناك الكثير من الأسرار في هذه العائلة التي شكلت واحدة من أهم العصابات في التاريخ الإنساني، وفي كتابها الصادر عن دار دوِّن للنشر والتوزيع “أسطورة المشاهير.. الجزء الأول” ذكرت المؤلفة هايدي عبد اللطيف قصة آل كابوني.

تقول هايدي عبد اللطيف:” بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على وفاة «آل كابوني»، فلا يزال كل من يتمتع بلقب هذه العائلة الإيطالية العريقة يحظى بالتقدير والاحترام، «آل كابوني» الذي حول اسم أعرق العائلات الإيطالية، لأسطورة والاسم الأشهر في عالم الجريمة المنظمة منذ نشأتها وحتى اليوم، فهذا الاسم يعود لزعيم المافيا الأميركية في النصف الأول من القرن العشرين، الذي وضع تعريفًا جديدًا لرجال العصابات، وكان حديث الصحافة الأميركية لعقود. أشهر سجين في «ألكاتراز»، وصاحب المقولة الشهيرة «بالمسدس تُحل جميع المشاكل»، والمسؤول عن مذبحة «عيد الحب» التي اغتيل فيها عتاة رجال المافيا في أمريكا.

 

امتلك «آل كابوني» سحرًا خاصًا، أورثه لجميع من يحملون اللقب، حتى لو لم تكن لهم أية علاقة بالمافيا. قصة حياته أصبحت، في الوقت ذاته، قصة المافيا الأميركية بعد خروجها للنور في نهاية العشرينيات، التي واكبت فترة الكساد العظيم ومنع الكحول، وانتشار عمليات التهريب، والتغافل أو التغاضي عن القانون، والفساد الذي تخطى كل الحدود في تاريخ الولايات المتحدة.

فقد بات واضحًا سيطرة عالم الجريمة حيث حولت سياسة منع المشروبات الكحولية، المواطن العادي إلى مجرم، وجعلت المجرمين ملوكًا، ومن ثم بين ليلة وضحاها، أصبح رجال العصابات من المشاهير ونجوم المجتمع، بعدما كانوا جزءًا من عالم سفلي يعمل في الخفاء تحت الأرض؛ فانتشروا في الشوارع والنوادي، واختلطوا بفئات المجتمع المختلفة، لدرجة أن أشهر رجال تلك العصابات في ذلك العصر «آل كابوني» تصدر صفحات مجلة «تايم».

وقد سبب الظهور المباشر لهؤلاء المجرمين والقتلة إحراجًا كبيرًا للحكومة الفدرالية، ما جعلها تعين عميلًا خاصًا للنيل من «آل كابوني» واعتقاله، لتصبح أشهر قضية للعصابات في تاريخ العدالة الأميركية.

مصدر خصب

 

كان لقصة حياة «آل كابوني»، ولتلك الفترة من التاريخ الأميركي بشكل عام، تأثير كبير على عدد كبير من الكتاب الأميركيين وخصوصا كُتاب السينما الأميركية، الذين استلهموها، مما جعل منها مصدرًا خصبًا للكثير من الأعمال الأدبية والفنية. ولعل أشهر تلك الأعمال رواية « العرّاب» التي تحولت لثلاثية سينمائية قدمها المخرج الأميركي ذو الجذور الإيطالية، «فرانسيس فورد كوبولا»، في ملحمة تعد وحتى اليوم من أهم أفلام السينما العالمية وخصوصا تلك التي اهتمت برصد تاريخ عصابات المافيا. كما قدمت السينما الأميركية أكثر من فيلم عن حياته وحمل اسمه، مثل « آل كابوني» 1959، و»كابوني» 1975، بل إنه ظهر بشخصيته الحقيقية في فيلم (The Untouchbles)، واستلهم فيلم «الوجه ذو الندبة» (Scarface) قصة صعوده من عائلة إيطالية عادية لقمة الجريمة المنظمة خصوصًا وأن «كابوني» اشتُهر بهذا الاسم: ذو الندبةۛ»».

صنع «آل كابوني»؛ ابن المهاجر القادم من نابولي الإيطالية، أسطورته الخاصة، وحكايته التي جذبت الكثيرين وتعاطفوا معها حتى بعد وفاته في 25 يناير 1947 عن عمر يناهر الثامنة والأربعين، حقق فيها الكثير، وأصبح الأشهر في عالم الجريمة المنظمة، وكانت وفاته مأساوية نتيجة لتدهور صحته في السنوات الأخيرة حيث أصيب بالزهري العصبي الذي تسبب في تراجع صحته العقلية لتوازي طفل في الثانية عشرة من عمره، لتنهار الأسطورة التي بدأت قبل ذلك بنصف قرن وبالتحديد في 1899 ، في يوم مولد الصبي «ألفونس جابرييل كابوني» الشهير ب «آل» كابوني، في بروكلين بنيويورك.

شغب مبكر

على عكس تصور الكثيرين فإن عائلة كابوني لم يكن لها تأثير سيئ على حياة ألفونس الذي اشتهر بتدليل اسمه «آل»، ولم تكن سببًا في انخراطه في عالم الجريمة. فقد كان والده غابرييل كابوني حلاقًا يعمل في إحدى البلدات القريبة من مدينة نابولي الايطالية. هاجر مع زوجته وطفلين إلى الولايات المتحدة في العام 1893، ليولد ألفونسو في العام 1899 في بروكلين وترتيبه الرابع بين ثمانية أبناء، ستة من الفتيان وفتاتين.

كانت حياة عائلته هادئة، مليئة بقصص الكفاح؛ مثلهم في ذلك مثل العديد من الأسر والعائلات الإيطالية المهاجرة، فالأب كان يكسب رزقه من محل الحلاقة الصغير الذي امتلكه، بينما كانت الأم تساعده بعملها في الخياطة. لكن تلك الحياة البسيطة المتقشفة والقنوعة المستقيمة لم ترُق للصغير «آلفونس»، الذي، كان على عكس الكثير من أفراد العائلة قد أعجب برجال العصابات منذ نعومة أظفاره. فصل «كابوني» من المدرسة في الرابعة عشرة من عمره بعد أن قام بصفع إحدى مدرساته، وعمل بعدها لفترة قصيرة في عدة مهن، منها بائع في محل للحلوى، ثم في محل لتجليد الكتب.

لاحقا انضم المشاغب الصغير «آلفونس» لعدة عصابات صغيرة، وشارك في عمليات متنوعة تابعة لها، قبل أن يلتحق بعد ذلك بعصابة «النقاط الخمس» التي كان يتزعمها «فرانكي يالي»، حيث عمل حارسا أو مراقبا للأمن في أحد نواديه الليلية. وخلال إحدى نوبات عمله، تعرض لشجار مروع، تسبب في الحادث الذي كان سببًا في إطلاق اسم «الوجه ذو الندبة» عليه والذي اشتهر به لاحقا، فقد تشاجر مع شقيق إحدى الفتيات ممن كن يرتدن النادي، وفي أثناء الشجار قام ذلك الشخص بشق وجه كابوني بآلة حادة ثلاث مرات. وعقب انتهاء الشجار أجبره يالي على التصالح مع هذا الرجل الذي كان يدعى «فرانك غالوسيو». وسوف يصبح هذا الشخص لاحقا الحارس الشخصي لآل كابوني، عندما يغدو الأخير نجما ذائع الصيت في عالم الجريمة.

رجل العصابات

عُرف «كابوني» وسط عالم الجريمة السفلي والمنظمات الإجرامية بأنه جريء وقوي لايخشى شيئا، ينفذ عملياته بمهارة شديدة، ومن دون أن يترك أثر حتى أنه اتهم بقتل رجلين لكن التهمة لم تثبت عليه لعدم وجود شهود، فقد كان قانون الصمت، عرفا بقوة القانون، يحكم عمل رجال المافيا، يتقاتلون ويصفون حساباتهم فيما بينهم ولكنهم لا يتحدثون إلى الشرطة أبدًا، ومن يخالف هذا العرف يعرض نفسه لموت محتم؛ إذ يصبح هدفًا لجميع الأطراف، الأصدقاء قبل الأعداء. وفي عام 1921 تشاجر كابوني مع رجل ينتمي إلى عصابة منافسة وأصابه بعدة جروح، ما جعل فرانك يالي يرسله إلى شيكاغو ليتوارى عن الأنظار حتى تهدأ الأمور.

في ذلك الوقت، كانت عصابة «كولوسيمو» تسيطر على أعمال الجريمة المنظمة في شيكاغو، وكان أهم رجالها هما «لاكي لوتشيانو» و»جوني توريو»، الذي اعتبره «كابوني» مثله الأعلى، منذ انضمامه لعالم المافيا في نيويورك.

عمل كابوني مع توريو في شيكاغو، حيث كان الأخير يسعى للحصول على فرص للعمل في مجال غش الكحول بعد بدء الحظر.  وقاد توريو إمبراطورية الجريمة خلفا لجيمس كولوسيمو، المعروف بلقب»بيج جيم» بعدما رفض الأخير دخول هذا المجال الجديد من الأعمال، ثم قُتل لاحقا على يد فرانكي يالي.

اعتبر كابوني نشاطه في شيكاغو وظيفة أفضل لإعالة أسرته الجديدة، فقد كان قد تعرف على فتاة أيرلندية الأصل تكبره بعامين اسمها ميا كوفلين، تزوجها في العام 1919، وأنجبت له ابنه الوحيد ألبرت.

أسطورة شيكاغو

توسعت أنشطة توريو وعصابته واحتل كابوني مركزًا مهمًا فيها، وكانت تعمل في أي نشاط يرتبط بالكحوليات المحظورة من صناعة وتهريب وخلافه، وحققت مكاسب كبيرة رفعت من شأنها في المدينة. كما مارس توريو وعصابته، في الوقت نفسه، نشاطا تجاريا في عدد من مجالات الأعمال المشروعة لتكون واجهة لثروته، فكانت له أنشطة في الصباغة والتنظيف، ما ساعده في تكوين شبكة علاقات كبيرة في شيكاغو، ونفوذ لدى كبار المسؤولين في البلدية، وفي جميع المؤسسات والشركات وفي نقابات العمال الموظفين أيضًا

في عام 1925 تعرض جيمس توريو الى جروح خطيرة نتيجة محاولة اغتيال فاشلة من قبل إحدى العصابات المنافسة، وهو ما أصابه بالخوف على حياته، فقرر ترك العمل والعودة الى إيطاليا، وهكذا أصبح «كابوني» الزعيم المطلق لمنظمة شيكاغو الإجرامية. وسرعان ما اثبت مهاراته وحصل على اعتراف الجميع بأنه الأفضل في إدارة الأعمال؛ فقد ازدادت الإيرادات لتصل الى 100 مليون دولار في السنة.

نال «آل كابوني» حب البسطاء والكثير من فئات المجتمع، في بداية شهرته، بل إنهم شبهوه بـ «روبين هود» الذي كان يأخذ من الأغنياء ليعطي للفقراء، حيث كانت أعماله الخيرية تملأ المدينة، إلا أن هذه الصورة سرعان ما تشوهت نتيجة الصراعات وتصفية الحسابات بين عصابة آل كابوني والعصابات الأخرى والتي كان يذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء. وقد تعرض كابوني لعدة محاولات اغتيال جعلته يقوم بتصفية أعدائه بدون رحمة.

مذبحة عيد الحب

أصبح كابوني امبراطور الجريمة المنظمة في شيكاغو وما حولها من ضواحي، يعمل تحت إمرته نحو ألف رجل، مدججين بالسلاح، يدينون له بالولاء التام، واقترفوا، بدم بارد، الكثير من الجرائم، ولعل أبشع تلك الجرائم ما عرف باسم مذبحة «عيد الحب» لأنها وقعت في يوم 14 فبراير 1929، حيث قتل سبعة من رجال العصابات بطريقة بشعة، إذ تلقى كل منهم ما بين 20 إلى 25 طلقة نارية من بنادق آلية أطلقت عليهم عشوائيا من خلف ظهورهم وأردتهم جميعا قتلى.

جاءت هذه المجزرة ردُا على عصابة «باجس موران»؛ التي كانت نفذت عمليات جريئة لسرقة شاحنات الخمر التابعة لعصابة «كابوني»، إضافة إلى قتل عدد من رجاله، كما تعرض واحد من كبار مساعديه لثلاث محاولات اغتيال، ما دفع كابوني لإعطاء الأوامر لرجاله باغتيال «باجس موران».

تمثلت خطة «كابوني» في استدراج «موران» إلى مرآب، بحجة بيعه كمية من الويسكي بسعر منخفض. لم تتم العملية بنفس التفاصيل التي تم التخطيط لها، لكن منفذوها نجحوا في النهاية في قتل سبعة من رجال «موران» الذي نجا من القتل وتمكن من الهرب.

تسببت هذه الحادثة في ذعر الشعب الأميركي لهول الجريمة (آنذاك) وتعالت مطالب جماهيرية بضرورة إدانة «كابوني»، لكن رجال التحقيقات لم يتمكنوا من إدانته، لأنه قدم للشرطة حجة غياب عن موقع الحدث، بل وعن المدينة خلال تلك الفترة بشكل مقنع تماما.

سجين ألكاتراز

لم تقتصر صراعات آل كابوني على محيط مدينة شيكاغو فقط، بل امتدت الى مدن أخرى ففي عام 1928 ساءت علاقته مع حليفه في نيويورك وزعيم العصابة السابق الذي بدأ بالعمل معه؛ «فرانكي يالي»، ولم يتردد آل كابوني من تدبير عملية لاغتيال فرانكي يالي بالاستعانة بمجموعة من رجاله.

وبينما وجه الاتهام لكابوني باغتياله، لكن التهمة لم تثبت عليه. ونتيجة جرائمه الكثيرة أطلقت عليه الصحافة اسم «عدو الشعب رقم واحد». وبالرغم من أنه لم يحاكم على أي جريمة قتل اقترفها، ولم تتمكن الشرطة إثبات إدانته في أي منها، وربما لهذه الأسباب تحديدا قررت الحكومة الفيدرالية البحث عن ثغرة يمكن منها النفاذ لإمبراطور المافيا وإدانته واعتقاله.

عينت الحكومة الفدرالية العميل الفدرالي «إليونت نس» مدير مكتب الحظر، وأوكلت إليه مهمة التنقيب خلف «كابوني» للوصول إلى ثغرة قانونية أيا كانت. وبالفعل نجح نس في تقديم «آل كابوني» للمحاكمة بتهمة التهرب من الضرائب في العام 1931، حيث حكم عليه بالسجن أحد عشر عاما.

بعد اعتقاله نقل «كابوني» إلى أحد السجون الفيدرالية في ولاية أتلانتا، لكنه سرعان ما تمكن من رشوة سجانيه؛ فحظي بمعاملة خاصة، ومنها وضعه في غرفة مؤثثة جيدا، إضافة لتمكنه من لقاء عائلته بشكل يومي، ما أتاح له الاستمرار في إدارة أعمال عصابته من داخل الزنزانة، فقررت الحكومة إرساله الى واحد من أقسى السجون الأميركية آنذاك، وهو سجن «ألكاتراز»، والذي يعرف أيضًا بـ «سجن الصخرة».

وبالفعل لم يحظ كابوني بأي معاملة خاصة في ذلك السجن، وطبقت عليه قوانين السجن الصارمة كبقية السجناء فانقطعت اتصالاته مع الخارج، واضطر لأن يلتزم بقوانين السجن بعد أن تأكد من أنها الطريقة الوحيدة الناجحة للعيش في «ألكاتراز»، لكنه، بالرغم من ذلك، تعرض الى استفزازات من سجناء آخرين وتشاجر مع بعضهم، وأصيب في إحدى المرات بطعنات من مقص حلاقة على يد أحد المسجونين.

أيامه الأخيرة

أدت عزلته عن رجاله، وإلغاء الحظر على الكحول في العام 1933، إلى تقلص سلطته بشكل كبير ففقد مكانته كزعيم أسطوري. كما تدهور وضعه الصحي نتيجة لإصابته بالزهرى في شبابه، وتطور مرضه ليصاب بشلل جزئي نتيجة للزهري العصبي، وقضى السنة الأخيرة من مدة العقوبة في مستشفى السجن، مضطرب ومشوش. نال كابوني إفراجًا مشروطًا في نوفمبر 1939، وأمضى وقتًا قصيرًا في المستشفى، ثم عاد إلى منزله في جزيرة بالم، ولاية فلوريدا.

تراجعت سيطرة كابوني واهتماماته بالجريمة المنظمة بسرعة بعد سجنه، كما لم يعد قادرًا على إدارة العصابة بعد الإفراج عنه، نتيجة سوء حالته الصحية وفقدانه الكثير من وزنه وتدهور صحته العقلية في ظل آثار الزهرى العصبى. وفي 21 يناير 1947، تعرض كابوني لسكتة دماغية، وتم إنقاذه واستعاد وعيه، وبدأ في التحسن ولكن تعقدت حالته مجددًا بعد إصابته بالالتهاب الرئوي في 24 يناير، حيث أصيب بنوبة قلبية مميتة في اليوم التالي.

ربما لم يكن آل كابوني أقوى زعماء المافيا ولكنه بلا شك كان واحدًا من أكثر من تم تسليط الضوء على حياته منهم، كان قاتلًا ومجرمًا، لكنه كان يساعد الفقراء، وكان لطيفًا مع ضيوفه ولكنه يصبح عصبيًا وعنيفًا إذا تعرض للغضب، وربما تتلخص شخصيته في عبارته المشهورة، «يمكنك أن تمضي بعيدًا بمجرد ابتسامة لكن يمكنك أن تمضي أبعد بابتسامة ومسدس».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى